كيف يدمّر القلق المزمن حياة المريض دون أن يلاحظ من حوله؟

كتبت سهر حمدي

في عالمٍ يزداد فيه الضغط النفسي يومًا بعد يوم، يختبئ القلق المزمن أحيانًا خلف مظهر طبيعي وابتسامة مطمئنة. لكن ما لا يراه الآخرون هو الألم الداخلي والتوتر المستمر الذي ينهك صاحبه جسديًا ونفسيًا. هذا هو ما يُعرف بـ”القلق الصامت”، وهو نوع من اضطراب القلق لا تظهر فيه أعراض درامية وواضحة، بل يتسلل بهدوء إلى حياة المريض، مسببًا تدهورًا تدريجيًا في الصحة النفسية والجسدية دون أن يلاحظ أحد.


لماذا يُعد القلق المزمن “صامتًا”؟

يوضح د. أحمد النجار، أخصائي الطب النفسي بمستشفى القاهرة للصحة النفسية، أن “القلق الصامت هو حالة يتعايش فيها الشخص مع التوتر والخوف الداخلي المزمن دون أن يعبّر عنه، وقد لا يلاحظ المحيطون به أي تغير ملحوظ”.
ويضيف: “هؤلاء الأشخاص عادةً ما يكونون ناجحين في أعمالهم، ملتزمين في حياتهم اليومية، لكنهم ينهارون داخليًا من فرط التفكير والضغط الذهني المستمر”.


أعراض غير مباشرة تدق ناقوس الخطر

قد لا يقول المريض “أنا قلق”، لكن جسده يعبر عن ذلك بطرق متعددة، منها:

  • الأرق المستمر أو النوم المتقطع
  • ضعف التركيز والنسيان
  • توتر عضلي وآلام مزمنة في الرقبة أو الظهر
  • سرعة ضربات القلب دون سبب واضح
  • مشكلات في المعدة أو القولون
  • الإرهاق العام حتى بعد نوم طويل
  • الانعزال التدريجي عن الحياة الاجتماعية

ويؤكد د. هالة محمود، استشارية الطب النفسي بجامعة عين شمس، أن “القلق المزمن يؤثر على الأداء العقلي والجسدي، حتى لو لم يكن هناك نوبات هلع أو بكاء، وهذه هي خطورته، لأنه يُهمل لسنوات”.


القلق الصامت في بيئة العمل والعلاقات

الموظف الذي يبدو مثاليًا في عمله، لكنه يعاني داخليًا من شعور مستمر بعدم الكفاءة والخوف من الفشل، هو ضحية محتملة للقلق المزمن.
وفي العلاقات الشخصية، قد يظهر القلق في شكل حساسية مفرطة، غيرة، أو ميل مفرط لإرضاء الآخرين. تقول د. منى يسري، أخصائية العلاج السلوكي: “القلق يجعل الشخص يعيش في سيناريوهات سلبية متخيلة، تجعله دائمًا في وضع استعداد نفسي للتعامل مع كارثة لم تحدث بعد”.


أثر القلق المزمن على الصحة العامة

القلق الصامت لا يؤذي فقط المشاعر، بل يمتد إلى الجسم بالكامل، إذ يرتبط بزيادة احتمال الإصابة بـ:

  • ارتفاع ضغط الدم
  • اضطرابات الجهاز الهضمي (مثل القولون العصبي)
  • ضعف المناعة
  • أمراض القلب
  • السكري من النوع الثاني (نتيجة اضطراب هرمونات التوتر)

ويحذر د. عادل نبيل، استشاري أمراض الباطنة، من “أن القلق المزمن يؤدي إلى اختلال دائم في هرمونات الجسم، مما يزيد من مخاطر الأمراض المزمنة، ويجعل الجسم أكثر عرضة للالتهابات والعدوى”.


العلاج: ليس بالدواء فقط

رغم أن الأدوية النفسية قد تكون ضرورية في بعض الحالات، فإن العلاج السلوكي المعرفي (CBT) أثبت فعاليته الكبيرة في مواجهة القلق المزمن.
توضح د. داليا محسن، أخصائية العلاج السلوكي المعرفي: “هدفنا في جلسات العلاج هو تعليم الشخص كيفية التعرف على أفكاره القلقة وتحليلها واستبدالها بأفكار منطقية وواقعية، بالإضافة إلى تعلم مهارات التنفس والاسترخاء”.

وتشير إلى أن مدة العلاج تختلف من شخص لآخر، لكنها عادةً ما تستغرق من 8 إلى 20 جلسة، وقد تصاحبها تغييرات في نمط الحياة مثل ممارسة الرياضة، وتحسين جودة النوم، وتقليل الكافيين.


هل يمكن الوقاية من القلق المزمن؟

الوقاية تبدأ بالوعي. ومن أهم خطوات الوقاية:

  • تقبّل المشاعر وعدم كبتها
  • طلب المساعدة النفسية دون خجل
  • الحصول على فترات راحة خلال العمل
  • ممارسة تمارين التنفس والاسترخاء
  • الابتعاد عن الأشخاص السلبيين
  • تقليل التعرض للأخبار السلبية ووسائل التواصل الاجتماعي
  • تخصيص وقت للهوايات والأنشطة الممتعة

دور الأسرة والأصدقاء في الاكتشاف والدعم

غالبًا ما تكون نظرة المجتمع للأمراض النفسية مشوشة، مما يجعل مرضى القلق يخشون طلب المساعدة. لذا تلعب الأسرة والأصدقاء دورًا محوريًا في تقديم الدعم، وخصوصًا عند ملاحظة تغيّرات مثل:

  • انسحاب الشخص من النشاطات الاجتماعية
  • تغيرات مفاجئة في المزاج أو طريقة النوم
  • فقدان الشغف أو انخفاض الأداء في العمل أو الدراسة

وتنصح د. صفاء كمال، أخصائية الصحة النفسية المجتمعية، بعدم التقليل من مشاعر القلق لدى الآخرين أو تقديم نصائح سطحية مثل “شد حيلك”، بل توجيههم بلطف إلى مختص نفسي والاستماع بتعاطف.


القلق الصامت… رسالة من النفس لا يجب تجاهلها

القلق المزمن قد لا يظهر في صورة نوبات درامية أو صراخ، لكنه يستهلك صحة الإنسان وأداءه وعلاقاته تدريجيًا. لذلك، فإن إدراكنا لأهمية الصحة النفسية، وتطبيع فكرة زيارة الطبيب النفسي، وتقديم الدعم للمحيطين بنا هو ما قد يُنقذ حياة شخص في صمت.


كلمة أخيرة من “طب توداي”

في منصة طب توداي، نؤمن بأن الصحة النفسية لا تقل أهمية عن الصحة الجسدية، بل هي الأساس الذي يُبنى عليه التوازن والاستقرار. لا تتردد في طلب الدعم، فالكتمان لا يعالج الألم، بل يضاعفه.


🔹 حقوق النشر والطبع محفوظة لمنصة طب توداي
🔹 منصة طب توداي هي مرجعية العرب الطبية الأولى في مصر والشرق الأوسط


 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى