الخجل المفرط: هل هو طبيعة شخصية أم اضطراب نفسي؟
كتبت ريناد عماد

الخجل صفة بشرية مألوفة، يعاني منها الكثير في مواقف جديدة أو أثناء الحديث أمام جمهور. لكن ماذا لو أصبح الخجل عائقًا مستمرًا يمنع الشخص من تكوين صداقات، أو إبداء رأيه، أو حتى التحدث في لقاء عمل؟ هنا نكون أمام اضطراب القلق الاجتماعي، أحد أكثر الاضطرابات النفسية انتشارًا وتهميشًا في نفس الوقت.
في هذا التقرير من #طب_توداي، نغوص في تفاصيل هذا الاضطراب، نستعرض أعراضه، أسبابه، وأحدث طرق علاجه، مستفيدين من آراء نخبة من الأطباء النفسيين المتخصصين.
ما هو اضطراب القلق الاجتماعي؟
اضطراب القلق الاجتماعي أو الرهاب الاجتماعي هو حالة نفسية تتمثل في خوف شديد ومستمر من مواقف التفاعل الاجتماعي، حيث يشعر المصاب بالخوف من أن يُقيَّم أو يُحكَم عليه من الآخرين بطريقة سلبية.
بحسب الدكتور طارق عزمي، استشاري الطب النفسي في مستشفى المعادي العسكري:
“المريض لا يشعر فقط بالخجل، بل يتوقع دومًا الإحراج أو الفشل، ويبالغ في تصور نظرة الناس له، مما يدفعه للانسحاب أو الصمت أو حتى الغياب الكامل عن المناسبات الاجتماعية”.
الفرق بين الخجل الطبيعي والقلق الاجتماعي
الخجل الطبيعي:
- يظهر في مواقف جديدة فقط.
- لا يعوق سير الحياة اليومية.
- يزول مع الوقت أو التكرار.
القلق الاجتماعي:
- شعور دائم بالخوف من النقد أو الإحراج.
- تجنب مزمن للمواقف الاجتماعية.
- يؤثر سلبًا على العلاقات، العمل، والتحصيل الدراسي.
يؤكد الدكتور محمد حمدي الحديدي، أستاذ الطب النفسي بجامعة المنصورة:
“الفرق الجوهري أن الخجل الطبيعي لا يتسبب في معاناة حقيقية، بينما القلق الاجتماعي قد يدفع الشخص للعزلة التامة أو حتى التفكير في الانتحار أحيانًا”.
الأعراض الشائعة لاضطراب القلق الاجتماعي
- أعراض نفسية:
- خوف شديد من التحدث أو الأكل أمام الآخرين.
- تجنب المناسبات واللقاءات الجماعية.
- انخفاض الثقة بالنفس.
- أعراض جسدية:
- تعرق غزير.
- تسارع ضربات القلب.
- ارتجاف أو توتر عضلي.
- احمرار الوجه أو الشعور بالدوار.
القلق الاجتماعي والعمل والعلاقات
يؤثر هذا الاضطراب على قدرة المصاب على بناء علاقات صحية أو الاندماج في بيئة العمل، مما يؤدي إلى عزلة اجتماعية، بطالة مزمنة، أو فشل دراسي ومهني.
تقول د. داليا حسين، أخصائية الطب النفسي في مؤسسة الصحة النفسية بالقاهرة:
“الكثير من المصابين بالقلق الاجتماعي يملكون مهارات عالية وقدرات كبيرة، لكن الخوف يعطلهم عن إظهارها، ويجعلهم في حالة دفاع دائم”.
الأسباب والعوامل المؤدية للقلق الاجتماعي
لا يوجد سبب واحد واضح لهذا الاضطراب، لكن هناك عدة عوامل متداخلة:
- الوراثة: تزداد احتمالية الإصابة إذا كان أحد الوالدين يعاني من القلق أو الاكتئاب.
- البيئة والتربية: النقد الزائد أو الحماية المفرطة في الطفولة قد تضعف الثقة بالنفس.
- الخبرات الصادمة: التعرض للتنمر، الإحراج الشديد، أو الفشل العلني قد تترك أثرًا دائمًا.
العلاج: هل يمكن التخلص من القلق الاجتماعي؟
نعم، بشرط التشخيص المبكر والمتابعة النفسية المنتظمة. تتنوع طرق العلاج بين:
1. العلاج السلوكي المعرفي (CBT)
وهو حجر الأساس في علاج القلق الاجتماعي، حيث يعمل على:
- تغيير الأفكار السلبية تجاه النفس والآخرين.
- تعليم مهارات التعامل مع المواقف الاجتماعية.
- التدرب على التعرض التدريجي للمواقف المخيفة.
تشير د. رشا ممدوح، أخصائية العلاج النفسي السلوكي:
“بعض الحالات تشهد تحسنًا كبيرًا بعد 10-12 جلسة فقط من العلاج المعرفي السلوكي، خاصة إن كان الشخص ملتزمًا بتمارين التعرض”.
2. العلاج الدوائي
تستخدم بعض الأدوية النفسية للمساعدة على السيطرة على الأعراض، منها:
- مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRIs) مثل:
- سيرترالين (Zoloft)
- باروكسيتين (Paxil)
- فلوكستين (Prozac)
- البنزوديازيبينات (مؤقتًا فقط بسبب خطر الإدمان):
- ألبرازولام (Xanax)
- لورازيبام (Ativan)
- محصرات بيتا: تُستخدم قبل المناسبات المهمة لتقليل الأعراض الجسدية مثل رجفة اليدين.
يؤكد د. خالد بسيوني، استشاري الطب النفسي:
“الأدوية ليست حلاً دائمًا، لكنها قد تهيئ المريض لنجاح العلاج السلوكي من خلال تقليل شدة التوتر”.
هل يمكن الوقاية من القلق الاجتماعي؟
الوقاية ليست دائمًا ممكنة، لكن يمكن تقليل المخاطر من خلال:
- تعزيز ثقة الطفل بنفسه منذ الصغر.
- تعليم مهارات التحدث والتفاعل تدريجيًا.
- تجنب السخرية أو النقد القاسي.
- الاستشارة المبكرة عند ملاحظة أعراض القلق المفرط.
نصائح طب توداي لمواجهة القلق الاجتماعي:
- لا تعتزل الحياة.. خذ خطوات صغيرة تجاه المواقف الاجتماعية.
- اكتب يوميًا أكثر مخاوفك شيوعًا وحاول تحليلها منطقيًا.
- مارس التأمل وتمارين التنفس العميق.
- ابحث عن مجموعة دعم أو استشارة نفسية عبر الإنترنت.
- تذكر: الفشل في التواصل لا يعني أنك فاشل كشخص.
الخاتمة
اضطراب القلق الاجتماعي ليس خجلًا بسيطًا ولا عيبًا في الشخصية، بل حالة نفسية يمكن علاجها وتجاوزها. المهم هو الاعتراف بالمشكلة واللجوء للدعم النفسي المختص في الوقت المناسب.
وفي منصة #طب_توداي، نؤمن أن الصحة النفسية هي حق أصيل لكل إنسان، وأن لا أحد يجب أن يعيش في عزلة بسبب الخوف من الآخرين.
🔷 جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة لمنصة طب توداي
🔷 منصة طب توداي هي مرجعية العرب الطبية الأولى في مصر والشرق الأوسط