خاصميه النهارده… تخسريه بكرة.. حين يتحوّل الخصام مع المراهقين إلى قطيعة قلبية
كتبت/ مي السايح

يظن بعض الآباء أن الصمت والخصام وسيلة فعالة لتأديب أبنائهم، خاصة في سن المراهقة، لكن ما لا يدركونه أن الخصام لا يعلّم بقدر ما يؤلم، ولا يُقرّب بقدر ما يُبعِد، إنه عقاب عاطفي قاسٍ يترك جروحًا لا تُرى، لكنه يُنتج أبناءً قادرين على الاستغناء عن أقرب الناس إليهم… آباؤهم.
الخصام: درس في الاستغناء
عندما يُخطئ المراهق ويُقابل بالخصام، لا يشعر فقط بالذنب، بل يبدأ بتعلم آلية جديدة للتعامل مع العالم: “الخطأ يعني الهجر”.
في البداية، يتألم، ثم يعتاد الصمت، ثم يُحب المساحة، ليصبح الخصام فرصة للحرية المطلقة: لا متابعة، لا توبيخ، لا حوار، وفي كل مرة يُكرر فيها هذا السيناريو، تبهت مشاعره تجاه من كان يومًا ملاذه.
اللعب على ضعف الأهل
مع الوقت، يتحوّل الخصام إلى لعبة نفسية، يعرف فيها المراهق أن الكلمة الأولى والأخيرة ستكون للأهل حين “يهدأون” ويشتاقون، فهو فقط ينتظر، ويفوز وهكذا يُصبح العقاب بلا قيمة، والعلاقة بلا عمق، والاحترام مجرد ظاهر اجتماعي.
عقاب صامت.. ببصمة قطيعة
الخصام لا يربّي، بل يبني جدارًا من “الاستغناء العاطفي”، قد تقول الأم: “مش هكلمه لحد ما يعتذر”، لكن المراهق في داخله يكوّن منطقًا آخر: “أنا كمان مش هكلمها… ليه دايمًا أنا اللي أبدأ؟”، وهكذا، يتحوّل الخصام إلى خصومة داخلية، ينتصر فيها الصمت، وتُهزم الروابط.
بدائل تواصل تُربّي ولا تُقصي
1. عبّري عن مشاعرك دون تهديد:
قولي: “أنا زعلانة لأن اللي حصل وجعني”، بدلاً من “مش هكلمك”.
2. ارفضي السلوك لا الشخص:
“أنا بحبك جدًا، لكن تصرفك ده مش مقبول”.
3. العقاب السلوكي أفضل من العاطفي:
“طالما خرجت من غير إذن، يبقى مفيش خروج الأسبوع ده”، بدلًا من الخصام.
4. اشرحي قبل ما تعاقبي:
احتوي غضبه، اسأليه ليه عمل كده، ثم وضحي وجهة نظرك بهدوء.
الهدي النبوي: الكلمة الطيبة مفتاح القلوب
النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان إذا أخطأ أحد أصحابه، يُعاتبه بلين ويُوجهه بلطف، ولم يكن الخصام وسيلته للتربية.
قال رسول الله: “لا يحلّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث.”
فكيف نهجر أبناءنا أيامًا بدعوى التربية؟
الخلاصة: التربية ليست خصامًا… بل بناء
في زمن المراهقة، المراهق لا يحتاج إلى خصام يزيد اضطرابه، بل لحضن يحتويه وسط صراعه الداخلي.
خصام اليوم قد يربح معركة، لكنه يخسر الابن للأبد.
الحوار، التفهُّم، والصبر، هم جسور التواصل الحقيقي، دَعْ الحب يبقى غير مشروط، دَعْه الحبل السري الذي يربطك بابنك، حتى يعود إليه في كل مرة يشعر فيها أنه تائه.