الاكتئاب خلف الضحكة: الوجه الآخر للسعادة الزائفة
كتبت رقية جمال
ليس كل من يبتسم سعيدًا، وليس كل من يمزح مرتاحًا نفسيًا. ففي عالم يعجّ بالمظاهر والتوقعات، يُضطر البعض إلى إخفاء آلامهم خلف قناع من الفكاهة والمرح، فيما يُعرف طبيًا بـ “الاكتئاب المقنّع”، وهو أحد أخطر أشكال الاكتئاب لصعوبة ملاحظته وتشخيصه.
يؤكد الأطباء أن هذا النوع من الاضطرابات النفسية شائع أكثر مما نعتقد، وأن كثيرًا من الأشخاص المصابين به يعيشون حياتهم بشكل اعتيادي ظاهريًا، لكنهم داخليًا منهارون، وقد لا يطلبون المساعدة إلا بعد فوات الأوان.
🎭 ما هو الاكتئاب المقنّع؟
يُعرّف الاكتئاب المقنّع (Masked Depression) بأنه اضطراب اكتئابي تظهر أعراضه بطرق غير نمطية أو يتم إخفاؤها إراديًا أو لا إراديًا. المصابون به قد يبدون ناجحين، محبوبين، نشطين اجتماعيًا، ومرحين، بينما يشعرون في الواقع بالخواء الداخلي، وفقدان المعنى، والحزن العميق.
🔹 د. ريم عبد الفتاح، استشارية الطب النفسي، تقول لـ”طب توداي”:
“غالبًا ما يُصاب بالاكتئاب المقنّع الأشخاص الذين يخشون الحكم عليهم أو لا يريدون أن يظهروا بمظهر الضعيف، ولهذا يلجأون إلى إخفاء مشاعرهم بكل الطرق الممكنة.”
🔎 من هم أكثر عرضة للإصابة؟
بحسب دراسة نشرها المعهد الوطني للصحة النفسية (NIMH)، فإن الأشخاص ذوي الشخصيات القيادية، أو من يعملون في بيئات تنافسية وضاغطة، أو ممن يتحمّلون مسؤوليات أسرية كبيرة، أكثر عرضة لإخفاء معاناتهم النفسية.
🔸 كما يوضح د. خالد الصاوي، أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة، أن:
“الاكتئاب المقنّع منتشر في فئات مثل الأطباء، المدرسين، الفنانين، ومديري الشركات، لأنهم يتوقعون من أنفسهم تقديم صورة قوية دائمًا، ولا يمنحون أنفسهم حق الضعف أو التعب.”
⚠️ علامات تستحق الانتباه
قد لا يظهر على المصاب أي من أعراض الاكتئاب التقليدية مثل البكاء أو الانسحاب الاجتماعي، لكنه قد يمر بسلوكيات تستدعي القلق، ومنها:
✅ تغيّرات سلوكية خفية:
- زيادة التهكم أو السخرية
- تكرار المزاح عن الموت أو الفشل
- الإفراط في العمل أو الرياضة للهروب من الذات
✅ تغيّرات جسدية:
- أرق مزمن أو نوم مفرط
- مشكلات في الهضم أو الصداع دون سبب عضوي واضح
- فقدان الشهية أو الشراهة
✅ تغيّرات مزاجية:
- نوبات غضب مفاجئة أو انفعالات مبالغ بها
- صعوبة في الاستمتاع بالأنشطة المعتادة
- فقدان التركيز أو اتخاذ قرارات متهورة
🔹 وتضيف د. هبة الجندي، أخصائية العلاج السلوكي المعرفي، قائلة:
“المؤشر الأساسي هو عدم التوازن بين ما يظهره الشخص من طاقة وانفتاح، وما يشعر به فعليًا. الاكتئاب المقنّع لا يُقاس بالكلام فقط بل بالملاحظة الدقيقة.”
💬 لماذا يخفي البعض اكتئابهم؟
يعود إخفاء الاكتئاب لعدة أسباب، منها:
- الخوف من الوصمة المجتمعية: لا يزال الحديث عن المرض النفسي في مجتمعاتنا مرتبطًا بالخجل وسوء الفهم.
- ضغط التوقعات: كثير من الأشخاص يشعرون أن عليهم أن يكونوا “مثاليين” أمام الآخرين.
- الإنكار الداخلي: قد لا يعترف المصاب بأنه يمر باضطراب نفسي، ويظن أن عليه فقط “التحمّل”.
🧠 ما الفرق بين الاكتئاب المقنّع والقلق أو الإرهاق؟
بينما يخلط البعض بين الإرهاق المزمن أو القلق وبين الاكتئاب، فإن الفرق الجوهري في أن الاكتئاب المقنّع عادةً ما يؤثر في الشعور الداخلي بقيمة الذات، ويؤدي إلى اضطرابات في الحياة الشخصية والمهنية دون أسباب واضحة.
🟣 تقول د. منى الشرقاوي، استشارية علم النفس العيادي:
“من المهم التفريق بين الإرهاق العابر الناتج عن ضغط الحياة، وبين الحزن المستمر الذي يتسلل خلف كل لحظة نجاح أو فرح، ويُعدّ هذا الأخير علامة فارقة للاكتئاب المقنّع.”
🩺 التشخيص والعلاج
قد يكون تشخيص الاكتئاب المقنّع صعبًا لأنه لا يظهر في الفحوصات العادية أو في جلسات العلاج الأولى. لذلك يُفضل أن يتم:
- التحدث مع طبيب نفسي مختص وعدم الاكتفاء بآراء المقربين
- تقييم الأعراض باستخدام أدوات علمية مثل استبيان بيك للاكتئاب
- الخضوع لجلسات علاج نفسي معرفي سلوكي CBT
- أحيانًا يتم وصف مضادات اكتئاب عند الحاجة وتحت إشراف طبي كامل
🛑 متى يصبح الأمر خطرًا؟
في بعض الحالات، قد يؤدي الاكتئاب المقنّع إلى محاولات انتحار غير متوقعة، لأنه غالبًا ما لا يُكتشف إلا متأخرًا.
💔 وفي حالات أخرى، قد ينهار الشخص تمامًا فجأة، أو يتوقف عن ممارسة نشاطاته اليومية بشكل كامل دون سابق إنذار.
📢 كيف نساعد المصاب؟
- كن مستمعًا جيدًا، ولا تُقلل من مشاعره حتى لو بدا بخير.
- تجنب إطلاق الأحكام مثل “أنت قوي، لا يمكن أن تمر باكتئاب”.
- شجّعه بلطف على طلب المساعدة دون ضغط.
- تابعه من بعيد إذا رفض الحديث، وابقَ قريبًا.
🌱 الوقاية والدعم النفسي
- حافظ على روتين نوم وغذاء متوازن
- مارس الرياضة بانتظام
- خصص وقتًا للراحة النفسية والأنشطة التي تُدخل البهجة
- لا تتردد في زيارة طبيب نفسي إذا شعرت بخواء داخلي متكرر
🧾 خلاصة التقرير
الاكتئاب المقنّع ليس ضعفًا ولا عيبًا، بل اضطراب حقيقي يتطلب وعيًا ومساندة. لا تتوقف عن ملاحظة من حولك، وكن دائمًا عونًا لا عبئًا. تذكّر أن من يضحك كثيرًا قد يكون الأشد احتياجًا للاحتواء.
🧿 حقوق النشر
جميع الحقوق محفوظة © لمنصة طب توداي
منصة طب توداي هي مرجعية العرب الطبية الأولى في مصر والشرق الأوسط
