لماذا تلجأ بعض الأمهات لتشويه صورة الأب؟ وتدفع الأبناء للضياع!
كتبت - رباب وهبة

الطلاق ليس نهاية العالم، لكنه قد يكون بداية لجروح عاطفية ونفسية عميقة، خاصة عندما يتحول الصراع بين الأبوين إلى ساحة معركة يستخدم فيها الأطفال كأدوات للانتقام أو الضغط. من بين الظواهر التي تزداد خطورتها في مجتمعاتنا، تشويه صورة الأب من قبل بعض الأمهات بعد الطلاق. هذا السلوك لا يضر الأب فحسب، بل يخلق بيئة سامة للأطفال قد تترك آثارًا مدمرة على المدى الطويل. في هذا التقرير الصحفي نغوص في تفاصيل هذه الظاهرة، نحاول فهم أسبابها، ونرصد آثارها النفسية والاجتماعية، ونستعرض الحلول الممكنة.
📌 أولًا: الطلاق.. لحظة الانفصال لا تعني انتهاء الأدوار
عندما يقع الطلاق، تنتهي العلاقة الزوجية، لكن لا تنتهي المسؤوليات الأبوية. لا يزال كل من الأب والأم شريكين في تربية الأبناء، والحفاظ على توازنهم النفسي والاجتماعي. ومع ذلك، فإن بعض الأمهات، تحت وطأة المشاعر السلبية، لا يستطعن التفريق بين “الزوج السابق” و”الأب”.
في بعض الحالات، يبدأ التلاعب النفسي بالأبناء، ويتحول الأب من شخص كانوا يحبونه ويثقون به، إلى “وحش” في الروايات التي يسمعونها من الأم يوميًا.
📌 ثانيًا: لماذا تلجأ بعض الأمهات لتشويه صورة الأب؟
تشويه صورة الأب ليس سلوكًا يظهر من فراغ. خلفه مجموعة من الدوافع المعقدة، منها:
✅ 1. الانتقام العاطفي:
الزوجة التي تعرضت للخذلان أو الخيانة أو الإهمال، قد تسعى للانتقام ممن كانت تحبه، عبر استخدام أقرب الأشخاص له: أطفاله.
✅ 2. الإحساس بالخذلان أو الفشل:
بعض الأمهات يشعرن بأن الطلاق يمثل فشلًا شخصيًا، وتجد في تحميل الأب كامل المسؤولية وتحقيره أمام الأبناء وسيلة لتبرئة نفسها.
✅ 3. الرغبة في السيطرة على الأطفال:
عندما تفقد الأم شريكها، قد تشعر بالحاجة لتعويض ذلك من خلال امتلاك الأبناء بالكامل، مما يدفعها للتقليل من شأن الأب وتهميش دوره.
✅ 4. الضغط الاجتماعي:
الطلاق في بعض المجتمعات لا يزال موصومًا، فتلجأ الأم لتقديم صورة الأب على أنه “الظالم” لتحتفظ بدورها كـ “ضحية” أمام المجتمع.
📌 ثالثًا: كيف يتم تشويه صورة الأب؟
الأساليب المستخدمة تختلف من أم لأخرى، لكنها تدور حول:
🔸 استخدام الكلمات السلبية دائمًا:
مثل “أبوك ما بيحبكم”، “ما بيعرف يربي”، “كان سبب تعاستنا”، وغيرها من العبارات التي تُرسّخ صورة سلبية عن الأب.
🔸 منع التواصل:
بعض الأمهات يحرمن الأطفال من رؤية والدهم، ويمنعن الاتصالات والزيارات بحجج مختلفة، مثل أنه مشغول أو لا يريدهم.
🔸 سرد القصص المؤلمة:
حتى إن كانت حقيقية، لا يجب أن تُحكى للأطفال بطريقة تؤثر على صورتهم لأبيهم. ولكن بعض الأمهات يحكين كل خلاف، كل جرح، فيتحول الأب في خيال الطفل إلى كائن لا يستحق الحب أو الاحترام.
🔸 المقارنة المستمرة:
تقوم الأم بمقارنة الأب برجال آخرين (أقارب، أزواج صديقات)، وتُظهره دائمًا بصورة الفاشل والسلبي.
📌 رابعًا: النتائج النفسية على الطفل.. الضحية الحقيقية
الأطفال هم الحلقة الأضعف في هذه المعادلة، وتشويه صورة الأب يُحدث فيهم:
🔹 اضطرابات في الهوية:
يحتاج الطفل لصورة متوازنة عن والديه لتشكيل هويته. تشويه أحد الوالدين يسبب خللًا في التكوين النفسي.
🔹 فقدان الثقة:
عندما يُقنع الطفل بأن والده سيء، يكبر وهو لا يثق في الرجال عمومًا، وقد يمتد ذلك إلى الشك في العلاقات لاحقًا.
🔹 الشعور بالذنب:
قد يشعر الطفل أنه السبب في الانفصال أو في توتر العلاقة، خاصة إذا كان يُستخدم كوسيط بين الطرفين.
🔹 مشاكل سلوكية:
من القلق إلى العدوانية، ومن الاكتئاب إلى الانطواء، كلها أنماط يمكن أن تظهر نتيجة البيئة السامة التي تحرمه من حب والده أو التواصل معه.
📌 خامسًا: كيف يؤثر هذا التشويه على علاقة الطفل بالأب؟
تتدهور العلاقة بالتدريج:
- الطفل يبدأ بتجنب زيارة والده.
- لا يُظهر مشاعر إيجابية عند الحديث عنه.
- يُكرر عبارات الأم ويستخدم نفس المنطق العدائي.
- يُقاوم أية محاولات من الأب للتواصل.
كل ذلك يخلق شرخًا كبيرًا قد لا يُرمم بسهولة، خصوصًا إذا استمر التشويه لسنوات.
📌 سادسًا: وجهة نظر الآباء.. صوت مخنوق لا يُسمع
في كثير من الحالات، الآباء لا يملكون فرصة الدفاع عن أنفسهم. لا يُسمع صوتهم في المحاكم أحيانًا، ولا في المجتمع، وحتى أطفالهم يُبعدون عنهم. بعضهم يدخل في اكتئاب حاد، والبعض الآخر يُجبر على الانسحاب، خاصة حين تصبح المعركة مرهقة وغير عادلة.
📌 سابعًا: ما هو الحل؟ كيف نحمي الطفل من هذه الدوامة؟
✔️ 1. التربية المشتركة (Co-Parenting):
حتى بعد الطلاق، يجب أن يتفق الطرفان على رؤية مشتركة لتربية الطفل، دون تشويه أو عداء.
✔️ 2. القانون يجب أن يحمي العلاقة الأبوية:
يجب تعديل القوانين في بعض البلدان لضمان حق الأب في التواصل مع أبنائه، ومعاقبة من يحرّض الأطفال أو يمنع التواصل.
✔️ 3. التوجيه النفسي للأمهات:
برامج الدعم النفسي للوالدين بعد الطلاق مهمة جدًا. يجب توعية الأمهات بأن الانتقام العاطفي من الأب لن يشفي الجرح، بل سيورثه لأبنائها.
✔️ 4. تعليم الأطفال الحياد:
يجب إبعاد الأطفال عن الخلافات تمامًا، وعدم تحميلهم أي روايات أو صور سلبية عن أي من الطرفين.
📌 ثامنًا: نماذج حقيقية.. حين انهار الأبناء بين روايتين
في دراسات نفسية عدة، تبيّن أن الأطفال الذين تعرضوا لتشويه صورة أحد الأبوين:
- يشعرون بالحزن والضياع.
- يطورون كراهية تجاه أحد الوالدين ثم يندمون لاحقًا.
- البعض ينقطع عن أحد والديه لسنوات، ثم يعود في سن متأخرة ليكتشف الحقيقة.
أحد الأطفال قال في مقابلة:
“كرهت أبي لأن أمي كانت تقول إنه السبب في طلاقهما. مرت 10 سنوات قبل أن أكتشف أن الأمور لم تكن كما صورتها أمي، وأني خسرت سنوات من علاقتي به دون مبرر.”
📌 الختام: رسالة لكل أم.. لا تكوني سببًا في قطيعة دم!
من حقك أن تغضبي، أن تشعري بالخيانة، أن تكرهي الزوج الذي آلمك. لكن لا تنسي أن من تحاولين طمس صورته هو نصف روح ابنك. تشويه صورة الأب لا يُعاقب الزوج، بل يُدمر الطفل. اجعلي حبك لأبنائك أكبر من كرهك لوالدهم، فهم لا يجب أن يدفعوا ثمن مشاعرك.
غتات