“العيش.. عادة يومية أم كنز غذائي لا غنى عنه؟”

كتبت - أروى طارق

في كل بيت مصري وعربي تقريبًا، العيش أو الخبز هو سيد المائدة، لا تكاد تخلو وجبة منه. لكنه يثير جدلًا واسعًا في أوساط الصحة والتغذية: هل هو مجرد عادة غذائية موروثة؟ أم أنه عنصر غذائي مهم لا يمكن الاستغناء عنه؟
في هذا الموضوع الصحفي الممتد، نستعرض القيمة الغذائية الحقيقية للعيش، أنواعه، أضراره وفوائده، وأبرز الآراء العلمية حوله، لنصل في النهاية إلى إجابة: هل نأكل العيش لأننا بحاجة له، أم لأنه ببساطة “عادة يومية” لا نشعر بها؟


أولًا: ما هو العيش؟ ولماذا يُعد غذاءً أساسيًا؟

العيش هو الاسم العام للخبز بمختلف أنواعه: البلدي، الشامي، الفينو، التوست، والخبز الأسمر.
يتكوّن في الأساس من دقيق القمح أو الذرة أو الشعير، مضافًا إليه الماء والخميرة، وأحيانًا الملح أو السكر أو الحليب.
ورغم تنوع طرق التحضير، إلا أن العيش ظل عبر العصور أحد أهم مصادر الطاقة للكائن البشري، بل إن بعض الشعوب القديمة كانت تعتبره رمزًا للحياة.


ثانيًا: القيم الغذائية في العيش

الكربوهيدرات:

العيش من أبرز مصادر الكربوهيدرات المعقدة، التي تمد الجسم بالطاقة بشكل مستمر.

البروتين النباتي:

يحتوي على كمية جيدة من البروتين النباتي، خاصة في الخبز المصنوع من القمح الكامل.

الألياف الغذائية:

العيش الأسمر يحتوي على نسبة مرتفعة من الألياف التي تساعد في تنظيم الهضم والشعور بالشبع.

الفيتامينات والمعادن:

يضم في تركيبته فيتامينات من مجموعة B مثل النياسين والثيامين، بالإضافة إلى الحديد والزنك والمغنيسيوم.

لكن من المهم أن نعرف أن هذه القيم تختلف كثيرًا حسب نوع العيش، وطريقة تحضيره، ونسبة التكرير التي مر بها الدقيق.


ثالثًا: أنواع العيش.. بين الفايدة والضرر

العيش البلدي (الأسمر):

  • يحتوي على نسبة عالية من الألياف.
  • مفيد لمريض السكري والقولون.
  • يمنح إحساسًا بالشبع لفترة أطول.

العيش الأبيض (المكرر):

  • فقير في الألياف.
  • يرفع سكر الدم سريعًا.
  • قد يؤدي إلى زيادة الوزن إذا أُفرط في تناوله.

العيش الفينو والتوست الأبيض:

  • غني بالسكريات البسيطة.
  • يُصنع غالبًا من دقيق منزوع القشرة (بدون الردة).
  • منخفض القيمة الغذائية نسبيًا مقارنة بالأنواع الكاملة.

رابعًا: هل يمكن الاستغناء عن العيش تمامًا؟

من الناحية النظرية، نعم، يمكن استبداله ببدائل غذائية أخرى مثل:

  • الشوفان
  • الأرز البني
  • الكينوا
  • البطاطا
  • الحبوب الكاملة الأخرى

لكن من الناحية العملية، من الصعب جدًا التخلي عن العيش في ثقافتنا الغذائية. خاصة في ظل اعتماده كمصدر رخيص وسهل للطاقة.


خامسًا: العيش والسمنة.. علاقة معقدة

يُتهم العيش، خاصة الأبيض، بأنه من أسباب السمنة وزيادة الوزن. ويرجع ذلك إلى:

  • محتواه العالي من الكربوهيدرات البسيطة
  • سرعة امتصاصه وارتفاع سكر الدم بعد تناوله
  • تحفيزه إفراز الأنسولين، الذي يساهم في تخزين الدهون

لكن هنا يجب التفرقة بين أنواع العيش، والكمية المستهلكة، وطريقة تناولنا له مع الأطعمة الأخرى. فليس العيش هو العدو الأول للسمنة، بل طريقة استخدامه.


سادسًا: رأي خبراء التغذية: هل ننصح بالعيش أم لا؟

  • د. مي عبد العال، أخصائية تغذية إكلينيكية، تقول إن:
    “العيش لا يجب أن يكون شيطانًا كما يصوره البعض. المشكلة ليست في العيش نفسه، بل في نوعه وكمية تناوله. العيش البلدي أو الأسمر مفيد، لكن الإفراط في العيش الأبيض مع الأطعمة الدهنية هو ما يسبب الكارثة.”
  • أما د. هاني مرسي، أستاذ طب المجتمع، فيؤكد أن:
    “هناك إدمان مجتمعي للعيش. بعض الناس لا يشبع إلا بعد ربطتين عيش، حتى لو أكل نصف كيلو لحمة!”

سابعًا: العيش في الحميات الغذائية.. هل يُمنع؟

تعتمد الإجابة على نوع الحمية:

في الكيتو دايت:

  • ممنوع تمامًا لأنه غني بالكربوهيدرات.

في الدايت المتوازن:

  • مسموح ولكن بكميات محسوبة، ويفضل النوع الأسمر.

في حمية مرضى السكر:

  • يُفضل تناول العيش الأسمر أو المصنوع من الحبوب الكاملة.

ثامنًا: نصائح طب توداي لاستهلاك العيش بطريقة صحية

  1. اختر دائمًا العيش المصنوع من دقيق كامل أو بالردة.
  2. قلل الكمية اليومية: رغيف صغير واحد قد يكون كافيًا.
  3. لا تتناوله مع أطعمة عالية الدهون مثل المقليات.
  4. امضغه ببطء واشبع بالخضار والسلطة أولًا.
  5. لا تتناوله في وجبة العشاء المتأخرة.

تاسعًا: هل العيش “عادة يومية” فقط؟

الجواب معقد.
نعم، العيش جزء أساسي من عاداتنا اليومية والغذائية. لكنه أيضًا يحمل قيمة غذائية لا يمكن إنكارها. التخلي عنه ليس ضروريًا، لكن ترشيد استهلاكه وتحسين نوعيته هو الحل الأمثل.


خلاصة القول

العيش ليس مجرد عادة نأكلها بلا وعي، وليس مجرد مصدر للسمنة كما يُروج البعض. هو غذاء متجذر في ثقافتنا، ويمكن أن يكون مفيدًا أو ضارًا حسب نوعه وطريقة تناوله.
العيش، إذن، ليس عدوًا، ولا صديقًا دائمًا. بل هو مثل أغلب الأغذية: “على قد عقلك كل”.


 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى