في حضن العيلة بيخف الحمل.. كيف يدعم الزوج والأسرة المرأة في اكتئاب ما بعد الولادة؟

كتبت - سمر رضا

رغم أن قدوم الطفل يمثل لحظة سعادة كبيرة، إلا أن بعض النساء يعانين من حالة نفسية مضطربة تُعرف باسم اكتئاب ما بعد الولادة. وهذه المرحلة لا تقل خطورة عن الولادة نفسها، وقد تستمر لأسابيع أو شهور، مهددةً استقرار الأم النفسي، وقدرتها على رعاية طفلها. هنا يظهر الدور المحوري للزوج والأسرة، كحائط صد داعم وعاطفي، يساعدها على الخروج من تلك الدوامة بأمان.


ما هو اكتئاب ما بعد الولادة؟

اكتئاب ما بعد الولادة هو اضطراب نفسي يصيب الأمهات الجدد، وغالبًا ما يبدأ خلال أول أربعة أسابيع بعد الولادة، وقد يستمر لأشهر. تختلف أعراضه من امرأة لأخرى، لكنها غالبًا تشمل:

  • شعور دائم بالحزن أو القلق
  • فقدان الاهتمام بالأنشطة اليومية
  • صعوبة في التركيز أو اتخاذ القرارات
  • اضطرابات في النوم أو الشهية
  • الإحساس بالذنب أو عدم الكفاءة كأم
  • أفكار سلبية تجاه الطفل أو الذات

وقد يصل الأمر في بعض الحالات إلى التفكير في إيذاء النفس أو الطفل، مما يستدعي تدخلاً سريعًا من المختصين والداعمين داخل الأسرة.


لماذا تصاب النساء بالاكتئاب بعد الولادة؟

لا يرتبط اكتئاب ما بعد الولادة بضعف شخصية أو قلة إيمان، بل تساهم فيه عوامل عدة، منها:

  • تغيرات هرمونية: الانخفاض السريع في هرموني الإستروجين والبروجسترون بعد الولادة يؤثر على كيمياء المخ المرتبطة بالحالة المزاجية.
  • الإجهاد الجسدي: الألم، قلة النوم، وتغير نمط الحياة.
  • الضغوط النفسية: مثل صعوبة الرضاعة، الخوف من المسؤولية، أو غياب الدعم الكافي.
  • تاريخ مرضي: النساء اللاتي لديهن تاريخ مع الاكتئاب أكثر عرضة للإصابة.

دور الزوج: دعم لا غنى عنه

أولًا: الفهم والاعتراف بالمشكلة

من أولى خطوات الدعم أن يعترف الزوج أن ما تمر به زوجته هو مرض حقيقي يحتاج إلى تعاطف ومساندة، وليس مجرد “دلع” أو “مبالغة”.

ثانيًا: التواجد الفعّال

  • أن يكون حاضرًا جسديًا وعاطفيًا، لا يهرب من البيت بحجة العمل أو السهر مع الأصدقاء.
  • يشاركها في المهام اليومية ولو بتغيير حفاضة أو تجهيز رضاعة.

ثالثًا: الدعم النفسي

  • الاستماع دون حكم أو تقليل.
  • تشجيعها على التحدث عن مشاعرها.
  • الابتعاد عن الانتقادات أو العبارات القاسية مثل “إنتي مش أول واحدة تولد”.

رابعًا: المشاركة في اتخاذ القرار

  • تشجيعها على زيارة الطبيب النفسي أو مستشار الأسرة.
  • مرافقتها في الجلسات العلاجية أو متابعة الأدوية إن وُجدت.

دور الأسرة الكبيرة: حضن دافئ لا عبء إضافي

الأم والأخوات: خط الدعم الأول

وجود الأم أو الأخت بجانب المرأة في تلك المرحلة قد يكون طوق نجاة حقيقي، بشرط:

  • عدم التدخل الزائد أو فرض الآراء.
  • تقديم المساعدة الفعلية في الأعمال المنزلية ورعاية الطفل.
  • تجنب العبارات التقليدية المحبطة مثل “إحنا زمان كنا نولد ونرجع نطبخ ثاني يوم”.

الأب والأخ: أدوار داعمة لا غائبة

رغم أن بعضهم يعتقد أن دورهم ثانوي، إلا أن احتواء الأب أو الأخ للزوجة كجزء من الأسرة الممتدة يُحدث فارقًا، عبر الدعم المادي أو المعنوي، أو حتى منح الزوجين وقتًا للراحة بعيدًا عن ضغط الأطفال.


تأثير الدعم العائلي على التعافي

تشير الدراسات إلى أن النساء اللواتي يتلقين دعمًا فعّالًا من أزواجهن وأسرهن:

  • يتجاوزن الاكتئاب في وقت أقصر
  • تزداد ثقتهن في أنفسهن كأمهات
  • تقل احتمالية إصابتهن باكتئاب طويل الأمد
  • تتقوى روابطهن مع الطفل والزوج

علامات يجب أن ينتبه لها الزوج والأسرة

هناك إشارات تستدعي التدخل العاجل:

  • انعزال مستمر وعدم رغبة في التواصل
  • رفض إرضاع الطفل أو التعامل معه
  • البكاء بلا سبب
  • الحديث عن إيذاء النفس أو الطفل
  • تغيرات حادة في السلوك أو الشخصية

في هذه الحالات، لا يكفي الدعم العائلي وحده، بل يجب مراجعة طبيب نفسي فورًا.


نصائح عملية من “طب توداي” لدعم الأم الجديدة

  • خصصوا وقتًا أسبوعيًا لها وحدها للراحة أو الهواية.
  • شجعوها على ممارسة نشاط بدني خفيف كالمشي.
  • وفروا لها وجبات صحية تساعد على تحسين المزاج.
  • لا تُحملوها وحدها مسؤولية تربية الطفل.
  • احرصوا على زيارات قصيرة من المقربين فقط، لتجنب الإجهاد.
  • شجعوها على التعبير عن مشاعرها دون خوف من الحكم.

متى يحتاج الدعم إلى تدخل طبي؟

إذا استمرت الأعراض لأكثر من أسبوعين، أو ساءت بشكل ملحوظ، يجب استشارة طبيب نفسي. العلاج قد يشمل:

  • جلسات علاج معرفي سلوكي
  • أدوية مضادة للاكتئاب آمنة خلال الرضاعة
  • دعم مجموعات الأمهات الجدد

كلمة أخيرة: اكتئاب ما بعد الولادة مش وصمة

على الزوج والأسرة أن يفهموا أن الاكتئاب ليس عيبًا، ولا ينتقص من قدر الأم. بل هو مرحلة صعبة تستدعي التفهم والحب، لا القسوة أو الابتعاد. في ظل دعم صادق، واحتواء فعّال، يمكن للأم أن تتجاوز تلك المرحلة وتعود أقوى، وأقرب لطفلها، وأسعد في أسرتها.


 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى