طفلي لا يتكلم بعد.. هل هو أمر طبيعي أم مؤشر خطر؟
كتبت منى عماد

في مرحلة الطفولة، يترقب الأهل أولى كلمات أطفالهم بشغف ولهفة. لكن عندما يتأخر الطفل في النطق أو لا يتحدث في العمر المتوقع، تبدأ الأسئلة والقلق: هل الأمر طبيعي؟ هل يحتاج الطفل جلسات تخاطب؟ هل هناك مشكلة في السمع أو الجهاز العصبي؟
في هذا التقرير، نستعرض بالتفصيل متى يكون تأخر الكلام عند الأطفال جزءًا من التطور الطبيعي، ومتى يتحول إلى عرض يستوجب القلق والتدخل العلاجي. كما نوضح دور جلسات التخاطب في تحسين المهارات اللغوية، ونقدم نصائح عملية من أطباء مختصين لدعم الأهل في هذه المرحلة الدقيقة.
🧠 ما الفرق بين تأخر النطق وتأخر الكلام؟
يخلط كثيرون بين مفهومي “تأخر النطق” و”تأخر التخاطب”، إلا أن هناك فرقًا مهمًا بينهما.
توضح د. سارة البدري، أخصائية التخاطب والتواصل اللغوي:
“تأخر النطق يتعلق بقدرة الطفل على إنتاج الأصوات والكلمات، بينما تأخر التخاطب يشمل ضعف القدرة على الفهم والتواصل، حتى لو كان الطفل قادرًا على نطق الكلمات.”
بمعنى آخر، قد يتأخر الطفل في النطق، لكنه يفهم التعليمات ويتفاعل، وهو أمر يبعث على الاطمئنان في كثير من الحالات. أما إذا كان لا يتجاوب أو لا يفهم الكلام، فقد يكون هناك خلل أكبر يستدعي التقييم.
🕒 متى يبدأ الطفل بالكلام؟ (الجدول الطبيعي للنطق)
حسب معايير نمو الطفل المتعارف عليها عالميًا، يتوقع أن:
- يصدر الطفل أصواتًا (مناغاة) في عمر 3-6 أشهر
- ينطق أولى كلماته المفهومة مثل “بابا” و”ماما” في عمر 12 شهرًا تقريبًا
- يكون لديه حصيلة لغوية من حوالي 50 كلمة عند 18 شهرًا
- يبدأ بتكوين جمل بسيطة من كلمتين في عمر 2 سنة
- يتحدث بجمل مفهومة بنسبة 50-75% في عمر 3 سنوات
أي تأخر واضح عن هذه المعايير يستدعي تقييمًا، خاصة إذا صاحبه صعوبات في التواصل غير اللفظي (مثل التفاعل البصري أو الإيماءات).
🛑 تأخر طبيعي أم مؤشر خطر؟
يرى د. هاني محمود، استشاري طب الأطفال والتطور الحركي بمستشفى الأطفال الجامعي أن:
“ليس كل تأخر في الكلام يعني وجود مشكلة صحية خطيرة، فبعض الأطفال، خاصة الذكور، قد يتأخرون في الكلام لأسباب بيئية أو وراثية، لكنهم يلحقون سريعًا عند تلقي التحفيز المناسب.”
لكنه يضيف:
“إذا بلغ الطفل عامين ولم ينطق سوى كلمات محدودة جدًا، أو كان عمره 3 سنوات ولا يستطيع تركيب جمل، فهذا يستدعي تدخلًا متخصصًا.”
👂 هل السمع هو السبب الخفي دائمًا؟
تُعد مشكلات السمع أحد أكثر الأسباب شيوعًا خلف تأخر الكلام. يقول د. عمرو عبد الوهاب بدير، استشاري طب الأطفال وحديثي الولادة:
“الطفل لا يتعلم الكلام إلا إذا سمعه بوضوح. لذا فإن وجود التهابات متكررة بالأذن أو ضعف سمع دائم يؤثر سلبًا على اكتساب اللغة.”
ولهذا، يُوصى بإجراء تخطيط السمع للطفل كخطوة أولى في تقييم تأخر النطق، خاصة إذا كان الطفل لا يلتفت للأصوات أو لا يستجيب لاسمه.
🧩 وماذا عن التوحد واضطرابات النمو؟
قد يكون تأخر الكلام أحد أعراض اضطرابات أعمق مثل طيف التوحد. وتُشير د. منى البحيري، استشارية الطب النفسي للأطفال والمراهقين إلى بعض العلامات التحذيرية:
- عدم التفاعل مع الآخرين أو اللعب التخيلي
- عدم التواصل البصري أو استخدام الإيماءات
- التكرار الحركي أو السلوكي (مثل تكرار كلمات دون فهمها)
إذا ظهرت هذه الأعراض بجانب تأخر الكلام، يجب التوجه إلى تقييم نفسي وتربوي شامل.
💬 ما دور جلسات التخاطب؟ وهل تفيد حقًا؟
تلعب جلسات التخاطب دورًا محوريًا في تنمية مهارات اللغة والتواصل، خصوصًا عندما تبدأ في سن مبكرة.
تشرح د. آية فؤاد، أخصائية التخاطب بمعهد السمع والكلام:
“جلسات التخاطب تهدف إلى تحفيز مناطق اللغة في الدماغ من خلال تمارين نطق، ألعاب تفاعلية، وبرامج تنمية الفهم والاستيعاب.”
كما تشير إلى أن نسب التحسن تكون عالية جدًا إذا بدأ الطفل قبل سن الرابعة، خاصة في الحالات البسيطة والمتوسطة.
👨👩👧👦 كيف يدعم الأهل طفلهم لغويًا في المنزل؟
الأهل هم العامل الأهم في تطور اللغة عند الطفل، ويمكنهم اتباع النصائح التالية:
- تحدث مع الطفل دائمًا حتى لو لم يكن يرد. الوصف المتكرر للأنشطة اليومية يساعده على الربط.
- تجنب الأجهزة الإلكترونية التي تشتت الانتباه وتقلل من التفاعل الحقيقي.
- اقرأ القصص بصوت مرتفع وتفاعل مع الصور والأسئلة.
- استخدم الإشارات والإيماءات بجانب الكلمات لزيادة الفهم.
- امدح أي محاولة نطق وشجع الطفل على التعبير.
🧪 هل هناك فحوصات ضرورية؟
نعم، الفحوصات تشمل:
- تخطيط السمع والأذن الوسطى
- تقييم النمو العصبي والمعرفي
- فحص النطق والتخاطب بواسطة أخصائي معتمد
- اختبارات الذكاء والانتباه أحيانًا
هذه التقييمات تحدد ما إذا كان التأخر طبيعيًا أم يحتاج إلى تدخل متعدد التخصصات.
🎓 ماذا يقول العلم؟ وأين تقف الإحصائيات؟
تشير الإحصائيات العالمية إلى أن نحو 1 من كل 5 أطفال في سن ما قبل المدرسة يعاني من شكل من أشكال تأخر اللغة. معظم هذه الحالات تتحسن مع جلسات التخاطب المبكرة والدعم الأسري. أما الحالات المرتبطة باضطرابات مثل التوحد أو ضعف السمع، فتحتاج إلى خطة علاجية متكاملة.
🏥 متى نلجأ للطبيب فورًا؟
- إذا بلغ الطفل عمر 18 شهرًا دون أن ينطق أي كلمة واضحة
- إذا بلغ 3 سنوات ولا يستطيع تكوين جملة مفهومة
- إذا كان لا يتفاعل مع من حوله أو لا يستجيب للأوامر
- إذا لاحظ الأهل تراجعًا في المهارات اللغوية بعد أن كانت موجودة
في هذه الحالات، من الأفضل استشارة أخصائي تخاطب وطبيب أطفال متخصص في النمو والسلوك في أقرب وقت.
✅ خلاصة طب توداي
تأخر الكلام ليس نهاية العالم، لكنه ناقوس إنذار يجب الإصغاء له. التشخيص المبكر والتدخل الصحيح يصنعان الفارق في حياة الطفل، خاصة إذا تم عبر فريق متكامل يشمل الأطباء وأخصائيي التخاطب والأسرة.
📝 جميع حقوق النشر والطبع محفوظة لمنصة طب توداي.
🏥 منصة “طب توداي” هي مرجعية العرب الطبية الأولى في مصر والشرق الأوسط، وتهدف إلى تقديم محتوى طبي موثوق ومبسط لكل أسرة عربية.