“ضيق التنفس في دوامك؟ قد يكون عملك هو السبب”
كتبت نهى عبد الجليل

الربو المهني هو نوع من الربو الذي يُثار أو يسوء بسبب التعرض لمواد معينة في بيئة العمل. على عكس الربو التقليدي الذي قد يبدأ منذ الطفولة، فإن الربو المهني يصيب الأشخاص في مراحل عمرية متقدمة غالبًا، بعد تعرضهم المزمن لمهيجات معينة في أماكن العمل مثل الغبار، الأبخرة، الدخان، والمواد الكيميائية.
ووفقًا للدكتور مصطفى الجوهري، استشاري الأمراض الصدرية والحساسية، فإن “الربو المهني يُعد من أكثر أنواع الربو التي يتم تجاهلها أو تشخيصها بشكل خاطئ، بالرغم من أنه مسؤول عن نسبة كبيرة من مشاكل التنفس في فئات محددة من العمال”.
من هم المعرضون للإصابة؟
هناك عدة مهن تمثل خطرًا واضحًا للإصابة بالربو المهني بسبب التعرض المستمر لمهيجات الرئة، ومن أبرزها:
- عمال المخابز والمصانع الغذائية: نتيجة استنشاق الدقيق أو الإنزيمات المستخدمة في الخَبز.
- مصففو الشعر: بسبب التعرض لمواد التجميل مثل الفورمالدهيد والصبغات والأمونيا.
- عمال الدهانات والورنيش: نتيجة استنشاق الأبخرة الكيميائية.
- العاملون في مجال التنظيف: بسبب التعرض المتكرر للمنظفات والمبيضات.
- العاملون في مجال الزراعة: نتيجة التعرض للمبيدات الحشرية والغبار العضوي.
- العاملون في المختبرات أو المصانع الكيماوية: بسبب استنشاق المواد المتطايرة والمحفزات الصناعية.
وتوضح الدكتورة فاطمة عبد المنعم، أستاذة الحساسية والمناعة بكلية الطب جامعة القاهرة، أن “أكثر من 300 مادة تم ربطها علميًا بظهور أو تفاقم أعراض الربو المهني، مما يجعل هذا النوع من الربو تحديًا حقيقيًا في بيئات العمل الحديثة”.
كيف يختلف عن الربو العادي؟
الربو المهني يشترك مع الربو التقليدي في الأعراض الرئيسية مثل:
- ضيق التنفس
- الكحة المزمنة
- الصفير عند التنفس
- الشعور بثقل في الصدر
لكن الاختلاف الجوهري يكمن في توقيت الأعراض. فالمصاب بالربو المهني غالبًا ما يشعر بتحسن ملحوظ في الأعراض خلال الإجازات أو فترات الغياب عن العمل، وتعود الأعراض للظهور أو التفاقم عند الرجوع إلى بيئة العمل.
أمثلة واقعية من أرض الواقع
الحاج أحمد (55 عامًا)، عامل مخبز من الجيزة، يقول:
“كنت أرجع البيت وأنا مش قادر آخد نفسي. افتكرت إن ده بسبب السن أو التدخين، لكن لما خدت أجازة أسبوعين حسّيت بتحسن كبير. لما رجعت الشغل، الكحة رجعت من تاني”.
وبعد زيارة طبيب الصدر، تم تشخيص حالته بأنه يعاني من ربو مهني نتيجة التعرض المزمن لغبار الدقيق.
طرق التشخيص: كيف يتم التأكد؟
التشخيص الدقيق للربو المهني يتطلب مزيجًا من:
- التاريخ الطبي المهني: متى بدأت الأعراض؟ هل هناك تحسن أثناء الإجازات؟
- اختبارات وظائف الرئة (Spirometry): لقياس مدى ضيق الشعب الهوائية.
- اختبار تحدي القصبات الهوائية: لمعرفة حساسية الجهاز التنفسي.
- اختبارات الحساسية: لتحديد نوع المادة المسببة.
- قياس الأعراض خلال أيام العمل والإجازات: لرصد النمط الزمني.
ويؤكد الدكتور خالد السباعي، استشاري الأمراض المهنية بمستشفى القصر العيني، أن “غياب التنسيق بين الطبيب المختص ومكان العمل قد يؤدي إلى استمرار التعرض للمسبب، ما يزيد الحالة سوءًا على المدى الطويل”.
العلاج: هل هناك شفاء؟
الخطوة الأولى والأهم في علاج الربو المهني هي تجنب المادة المهيجة. في بعض الحالات، يمكن ذلك عن طريق تغيير القسم داخل نفس مكان العمل، أو توفير معدات حماية تنفسية فعالة.
أما بالنسبة للعلاج الطبي، فهو لا يختلف كثيرًا عن علاج الربو التقليدي ويشمل:
- موسعات الشعب الهوائية: مثل سالبيوتامول (Ventolin).
- الكورتيزونات المستنشقة: مثل بيكلوميثازون أو بوديزونيد.
- مضادات الحساسية في حال وجود تحسس معروف.
- العلاج المناعي في بعض الحالات الخاصة.
لكن الأهم، كما تشير د. فاطمة عبد المنعم، هو “التدخل المبكر لمنع المضاعفات مثل تليف الرئة أو التحسس المزمن”.
هل يحق للمريض طلب تغيير الوظيفة؟
نعم. في حالات الربو المهني المؤكدة، يحق للعامل قانونيًا وفقًا لقوانين العمل المصرية والعربية طلب تغيير القسم أو الوظيفة، وفي بعض الحالات يُعترف بالحالة كـ”إصابة عمل”، مما يوفر تغطية تأمينية وعلاجية للعامل.
الوقاية: كيف تحمي نفسك؟
وفقًا لـ نصائح طب توداي، فإن الوقاية من الربو المهني تشمل:
- ارتداء الكمامات الواقية المعتمدة في أماكن العمل.
- التهوية الجيدة للمكان.
- تقليل مدة التعرض المباشر للمواد المهيجة.
- الكشف الدوري على وظائف الرئة، خاصة في المهن عالية الخطورة.
- توعية العاملين بحقوقهم الصحية وبخطورة الأعراض المبكرة.
متى تزور الطبيب؟
إذا لاحظت أنك تشعر بضيق تنفس أو كحة متكررة في أيام العمل وتتحسن الأعراض في الإجازات، فلا تتردد في زيارة طبيب مختص في أمراض الصدر أو الحساسية. التشخيص المبكر قد يمنع تدهور الحالة ويحسن جودة حياتك.
الخلاصة: لا تتجاهل أنفاسك في مكان عملك
الربو المهني لا يقل خطورة عن أنواع الربو الأخرى، بل قد يكون أكثر تعقيدًا بسبب ارتباطه ببيئة العمل وصعوبة تجنب المسبب. التوعية، والفحص المبكر، واتباع إجراءات السلامة هي السلاح الأقوى لحماية رئتيك.