د. محمد عبد الرحيم: كيف نرعى نمو الطفل العاطفي في السنوات الأولى؟

كتبت نسرين عبد الله

في السنوات الأولى من حياة الطفل، لا ينمو فقط جسديًا أو لغويًا، بل تتشكّل مشاعره، ردود أفعاله، وصورته عن نفسه والعالم من حوله. النمو العاطفي للطفل هو أساس شخصيته المستقبلية، وقدرته على بناء علاقات صحية، والتعامل مع ضغوط الحياة. لكن هذا النمو لا يحدث تلقائيًا، بل يحتاج إلى بيئة داعمة، وفهم من الأهل والمربين.

سألت منصة “طب توداي” د. محمد عبد الرحيم، استشاري طب نفس الطفل والمراهق، عن أهم علامات النمو العاطفي السليم للطفل، وكيف يمكن للأهل المساهمة في دعمه. وأكد د. عبد الرحيم أن السنوات الخمس الأولى هي مرحلة تأسيسية في تكوين الوعي العاطفي للطفل، وأن الإهمال أو القسوة أو حتى التوقعات المبالغ فيها قد تترك ندوبًا نفسية يصعب علاجها لاحقًا.


💡 ما هو النمو العاطفي عند الطفل؟

النمو العاطفي هو قدرة الطفل على التعرف على مشاعره والتعبير عنها، وتنظيم انفعالاته، وفهم مشاعر الآخرين. تبدأ هذه القدرات في التطور من عمر الشهور الأولى، حين يشعر الطفل بالراحة أو الضيق بناءً على احتضان أمه أو غيابها.

ويشرح د. محمد عبد الرحيم أن “البكاء والانزعاج ليسا دليل ضعف، بل وسيلة تواصل. الطفل يختبر العالم أولًا من خلال انفعالاته، ثم يبدأ تدريجيًا في الربط بين المشاعر والمواقف.”


🧠 مراحل النمو العاطفي الطبيعي

١. من الميلاد إلى 12 شهرًا:

  • يبدأ الطفل بالابتسام استجابةً لصوت الأم.
  • يشعر بالأمان أو الخوف تبعًا للبيئة.
  • يبدأ بالتمييز بين الوجوه المألوفة والغرباء.

٢. من 1 إلى 3 سنوات:

  • يظهر الغضب والفرح بوضوح.
  • يبدأ باستخدام كلمات بسيطة للتعبير مثل “زعلان” أو “بابا راح”.
  • يُظهر تعلقًا واضحًا بالأشخاص المقرّبين.

٣. من 3 إلى 5 سنوات:

  • يفهم مشاعر الآخرين ويُظهر تعاطفًا بسيطًا.
  • يبدأ في كبح اندفاعاته تدريجيًا.
  • يقلد سلوك الكبار العاطفي (كالعناق، التهدئة، إلخ).

🚨 متى نشك بوجود مشكلة؟

يشير د. عبد الرحيم إلى وجود علامات تستدعي القلق، مثل:

  • برود عاطفي مستمر (لا يفرح أو لا يغضب إطلاقًا).
  • نوبات غضب مفرطة بشكل غير متناسب مع الموقف.
  • صعوبة في تكوين علاقات مع أطفال آخرين أو حتى أفراد الأسرة.
  • العدوانية المتكررة دون سبب واضح.
  • الانعزال أو عدم الرغبة في التواصل البصري.

ويضيف أن “بعض هذه الأعراض قد تكون مؤقتة، ولكن استمرارها لأشهر، أو تدهورها، يستلزم تقييمًا من مختص في نفسية الأطفال.”


👨‍👩‍👧‍👦 دور الأهل: دعم أم ضغوط؟

للأهل الدور الأكبر في نمو الطفل العاطفي، ولا يعني ذلك التدليل الزائد، بل توفير بيئة آمنة ومحفّزة على التعبير. نصائح د. عبد الرحيم عبر “طب توداي” تشمل:

  • الاستماع الفعّال: أعطِ الطفل فرصة ليعبر دون مقاطعة أو تصحيح فوري.
  • تسمية المشاعر: ساعده على فهم ما يشعر به: “أنت حزين لأن لعبتك انكسرت”.
  • تنظيم الانفعالات: علمه تهدئة نفسه دون عقاب: “خد نفس، نعد للعشرة”.
  • القدوة: سلوك الوالدين مهم، فلو رآك تعبر عن حزنك أو فرحك بطريقة صحية، سيتعلم ذلك منك.

🎨 اللعب كنافذة للمشاعر

اللعب الحر، والتمثيل، والرسم، كلها أدوات تعبيرية يستخدمها الطفل للتفريغ العاطفي. تقول الأبحاث الحديثة إن الطفل الذي يُتاح له التعبير الإبداعي، يكون أكثر استقرارًا نفسيًا، وأفضل في التعامل مع الإحباط.

ود. عبد الرحيم ينصح باستخدام “لعب الدور” (مثل الطبيب والمريض) لمساعدة الطفل على استكشاف مشاعره بطريقة غير مباشرة.


💬 الجمل القاتلة.. احذر منها!

هناك عبارات شائعة قد تؤثر سلبًا على نمو الطفل العاطفي دون أن يعي الأهل ذلك، مثل:

  • “عيب تبكي.. انت ولد!”
  • “اسكت، مش وقت الكلام”
  • “ده كلام عيال.. انسى”
  • “ما تزعلش.. بسيطة!”

هذه العبارات تقتل مشاعر الطفل بدل احتضانها، وتجعله يظن أن مشاعره ليست مهمة أو غير مقبولة.


🌱 بين الوعي العاطفي والذكاء الاجتماعي

الطفل الذي ينمو عاطفيًا بشكل صحي، غالبًا ما يكون أقدر على تكوين علاقات ناجحة لاحقًا، وعلى التعامل مع الفشل والإحباط، ما ينعكس على أدائه الدراسي والاجتماعي.

ووفقًا لتوصيات د. عبد الرحيم على منصة “طب توداي”، فإن “المهارات العاطفية لا تُولد، بل تُنمى، ويبدأ ذلك من أحضان الأم، ونبرة صوت الأب، ومدرسة تُقدّر مشاعر الطفل قبل علاماته الدراسية.”


✅ خلاصة “نصائح طب توداي”:

  • مشاعر الطفل ليست رفاهية بل ضرورة لنموه الصحي.
  • التواصل العاطفي اليومي أهم من أي لعبة.
  • البيئة الآمنة والصبر هما مفتاح التوازن النفسي للطفل.
  • المراقبة المبكرة لأي خلل عاطفي تقي من مشاكل نفسية لاحقة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى