د. شريف الغمراوي: لماذا يشعر الشباب بالإرهاق الدائم؟ نظرة نفسية على ضغوط العصر
كتبت رحاب سيد

في السنوات الأخيرة، أصبحت جملة مثل “أنا مرهق نفسيًا” جزءًا معتادًا من أحاديث الشباب، خصوصًا طلاب الجامعات وحديثي التخرج. مشاعر الضغط، والإحباط، وفقدان الشغف، أصبحت شائعة بين من يُفترض أنهم في أوج طاقتهم. فهل ما نشهده اليوم مجرد توتر عابر؟ أم أننا أمام ظاهرة نفسية أعمق تُدعى “الاحتراق النفسي”؟
🔎 ما هو الاحتراق النفسي؟
الاحتراق النفسي (Burnout) ليس مجرد تعب مؤقت أو شعور عابر بالإرهاق. إنه حالة من الإنهاك العقلي والعاطفي والجسدي ناتجة عن ضغوط مزمنة في الحياة أو الدراسة أو العمل، تؤدي إلى تراجع الأداء وفقدان الحافز، وحتى إلى أعراض جسدية.
ويُعرّف الاحتراق النفسي وفق منظمة الصحة العالمية بأنه “متلازمة ناتجة عن ضغوط مزمنة في مكان العمل لم يتم التعامل معها بشكل ناجح”، لكنه اليوم يمتد ليشمل الضغوط التعليمية والاجتماعية، خاصة بين فئة الشباب.
🧠 الفرق بين الاكتئاب والاحتراق النفسي
رغم التشابه بين أعراض الاكتئاب والاحتراق النفسي، فإن هناك فروقًا جوهرية بينهما.
🔹 الاحتراق النفسي غالبًا ما يرتبط بسياق معين، كالدراسة أو الوظيفة، ويمكن أن يتحسن عند تغيير هذا السياق أو الحصول على راحة.
🔹 الاكتئاب أعمق وأشمل، يؤثر في جميع جوانب الحياة، ويستمر حتى مع الراحة، وقد يترافق مع أفكار سلبية وانعدام الأمل.
🩺 ويؤكد د. شريف الغمراوي، استشاري الطب النفسي، أن “التمييز بين الحالتين مهم للغاية، لأن طرق العلاج تختلف؛ فالاكتئاب غالبًا ما يحتاج تدخل دوائي ونفسي، بينما يمكن التعامل مع الاحتراق النفسي من خلال تعديل نمط الحياة والدعم النفسي المبكر”.
🎓 لماذا يعاني الشباب تحديدًا من الاحتراق؟
في عالم سريع لا يرحم، يجد الشباب أنفسهم في سباق مستمر لإثبات الذات، سواء في الدراسة أو الحياة المهنية.
✴️ الضغوط الأكاديمية،
✴️ المقارنات المستمرة عبر وسائل التواصل،
✴️ ارتفاع سقف التوقعات الأسرية،
✴️ ومخاوف المستقبل وعدم الاستقرار،
كلها عوامل تغذي مشاعر الإنهاك والقلق.
تقول د. داليا إبراهيم، أستاذ الطب النفسي بجامعة عين شمس:
“هناك جيل كامل يعاني من إرهاق مزمن حتى قبل أن يدخل سوق العمل فعلًا. الاحتراق يبدأ من المدرسة والجامعة، حين يصبح التفوق عبئًا لا رغبة، والنجاح مطلبًا لا إنجازًا ذاتيًا”.
📉 أعراض الاحتراق النفسي التي يجب ألا نتجاهلها
- فقدان الحافز أو الشغف
- التوتر والانفعال الزائد
- صعوبة في التركيز
- اضطرابات النوم
- ألم عضلي أو صداع مزمن
- الشعور الدائم بالتعب رغم النوم الكافي
- تبلد عاطفي أو عزلة اجتماعية
إذا كنت تعاني من ثلاثة أعراض أو أكثر لفترة تزيد عن أسبوعين، فقد يكون الوقت قد حان لطلب المساعدة النفسية.
🛠️ كيف نحمي شبابنا من الاحتراق النفسي؟
1. نشر الوعي النفسي المبكر
التثقيف النفسي ضرورة لا رفاهية. يجب دمج مفاهيم مثل التوازن النفسي وإدارة الضغوط في المناهج التعليمية والمجتمع.
2. الاستماع والدعم
دعم الأسرة والمحيط الاجتماعي يُحدث فارقًا حقيقيًا. يقول د. عمرو عبد العظيم، أخصائي الإرشاد النفسي، إن “الاحتراق لا يبدأ فجأة، بل هو نتيجة تراكمات، والاستماع للشباب دون لوم قد ينقذهم مبكرًا”.
3. تعزيز مهارات التأقلم
مثل:
- تنظيم الوقت
- تحديد الأولويات
- تعلم قول “لا”
- ممارسة التأمل أو الرياضة
4. التوجه للعلاج النفسي الوقائي
العلاج النفسي لا يعني وجود مرض، بل يمكن أن يكون أداة وقائية، كما تشير د. منى فرغلي، استشارية الطب السلوكي، إلى أن “المشاركة في جلسات العلاج الجماعي أو الفردي تحسن جودة الحياة النفسية حتى لمن لا يعانون من مشاكل واضحة”.
📱 وسائل التواصل… هل هي السبب الخفي؟
لا شك أن “السوشيال ميديا” أصبحت أحد محركات الضغط النفسي، خصوصًا بسبب الصورة المثالية التي يعرضها الآخرون. إذ يشعر الشباب بالفشل حين يقارنون يومهم المرهق بمنشورات أقرانهم المليئة بالنجاحات.
🧩 وهنا تظهر الحاجة لما يسمى “الديتوكس الرقمي” أو الصيام عن مواقع التواصل لفترات محددة.
💬 تجارب شبابية حقيقية
تقول “مريم”، طالبة بكلية الطب، “كنت أشعر أني أركض في سباق لا ينتهي… رغم أني متفوقة، فقدت الشغف، وبكيت كثيرًا بلا سبب. حين ذهبت للأخصائية النفسية، اكتشفت أنني كنت على حافة الاحتراق النفسي”.
بينما يضيف “كريم”، موظف بإحدى شركات التسويق: “كنت أعمل 12 ساعة يوميًا، وكلما أنجزت أكثر طُلب مني المزيد. في النهاية، شعرت أني آلة بلا طاقة. العلاج السلوكي المعرفي ساعدني على إعادة التوازن لحياتي”.
💡 الاحتراق النفسي ليس ضعفًا
من المهم التأكيد أن الاعتراف بالاحتراق النفسي لا يعني أنك ضعيف أو غير قادر، بل يعني أنك إنسان طبيعي يعيش في عالم مليء بالتحديات.
✔️ التوقف لا يعني الفشل
✔️ الراحة ليست كسلًا
✔️ وطلب المساعدة شجاعة
🛡️ منصة طب توداي توصي:
🔸 لا تنتظر حتى تنهار لتطلب المساعدة
🔸 راقب إشارات جسدك ونفسيتك
🔸 لا تقارن بدايتك بمنتصف طريق الآخرين
🔸 أعطِ صحتك النفسية نفس قدر اهتمامك بصحتك الجسدية
📝 خلاصة التقرير:
الاحتراق النفسي بات خطرًا حقيقيًا يهدد شبابنا قبل أن يخوضوا معارك الحياة الفعلية. التوعية والدعم، إلى جانب العلاج الوقائي، هم الأسلحة الفعالة في مواجهة هذه الظاهرة الصامتة.
ولأن الشباب هم طاقة الأمة، فإن الاستثمار في صحتهم النفسية هو استثمار في مستقبلها.
📌 حقوق الطبع والنشر محفوظة لمنصة طب توداي
📌 منصة طب توداي هي مرجعية العرب الطبية الأولى في مصر والشرق الأوسط