حين تتشكل الأدمغة خلف الشاشات: هل نربّي جيلاً رقمياً هشًّا؟

كتبت سعاد محمد

الشاشات والأدمغة الصغيرة: كيف يؤثر التعرض المطول للأجهزة الذكية على تطور الطفل؟

في عصر التكنولوجيا، أصبحت الأجهزة الذكية جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية، ليس فقط للبالغين، بل للأطفال أيضًا. فما بين الهواتف المحمولة، والأجهزة اللوحية، وأجهزة التلفاز الذكية، يتعرض الطفل منذ سنواته الأولى لمحتوى رقمي مكثف. وبينما يرى بعض الأهالي أن هذه الوسائل وسيلة للتعليم والترفيه، يحذر الخبراء من أن الإفراط في استخدامها قد يكون له أثر عميق على نمو الطفل العقلي والسلوكي.


👶 عقول تتشكل… وشاشات تحكم!

تبدأ السنوات الأولى من حياة الطفل بتطورات مذهلة على مستوى الدماغ. وفي هذا التوقيت الحرج، تكون البيئة المحيطة ذات تأثير بالغ في تشكيل مهاراته اللغوية، والانفعالية، والحركية. ولكن عندما تتصدر الشاشات هذا المشهد، تُستبدل التفاعلات البشرية الطبيعية بمشاهد افتراضية جامدة.

يؤكد د. وليد عبد الستار، استشاري طب الأطفال، أن “الطفل الذي يقضي وقتًا طويلاً أمام الشاشات يفقد تدريجيًا فرص التفاعل الاجتماعي الواقعي، وهو ما يؤثر على قدرته على التعبير والتواصل. هناك أطفال لا ينطقون بكلمة حتى عمر 4 سنوات، والسبب الرئيسي في كثير من الحالات هو الإفراط في التعرض للمحتوى الرقمي السلبي أو غير التفاعلي.”


📉 التأثيرات السلوكية والنفسية: من فرط الحركة إلى التوحد الزائف

تشير دراسات متعددة إلى وجود علاقة بين التعرض المفرط للشاشات وحدوث أعراض سلوكية متعددة لدى الأطفال، مثل فرط النشاط، قلة التركيز، الانطواء، واضطرابات النوم.

توضح د. هالة مجدي، أخصائية الطب النفسي للأطفال، أن “التعرض المطول للشاشات يؤدي إلى تشتت الانتباه لدى الطفل، ويضعف قدرته على التحكم في انفعالاته. كما نلاحظ في العيادات حالات أطفال يظهر عليهم سلوك شبيه باضطراب طيف التوحد، لكنه يتحسن بشكل ملحوظ بعد تقليل استخدام الأجهزة الذكية.”


📱 ما المدة المناسبة لاستخدام الشاشات؟ توصيات منظمة الصحة العالمية

بحسب توصيات منظمة الصحة العالمية (WHO)، فإن الحد الأقصى الموصى به لتعرض الأطفال للشاشات يختلف حسب العمر:

  • أقل من سنتين: يمنع تمامًا استخدام الشاشات، عدا المكالمات المرئية الضرورية.
  • من سنتين إلى 5 سنوات: لا يجب أن يزيد الوقت عن ساعة واحدة يوميًا، ويفضّل أن يكون المحتوى تعليميًا وبمرافقة الأهل.
  • فوق سن 6 سنوات: يُفضل التحكم في الوقت بشكل متوازن، بما لا يؤثر على النوم، والنشاط البدني، والواجبات الاجتماعية والتعليمية.

وتضيف منظمة الصحة العالمية أن النشاط البدني والنوم الجيد والتفاعل الأسري أهم بكثير لنمو الطفل من التحديق في شاشة.


🎮 هل كل استخدام للشاشات مضر؟

الجواب ليس بالضرورة نعم. فبحسب د. فادي علاء الدين، أستاذ الصحة العامة، فإن “الضرر لا يكمن في وجود الشاشة، بل في طريقة استخدامها. مشاهدة الطفل لمحتوى تفاعلي تعليمي برفقة أحد والديه ولمدة محدودة يوميًا، قد يكون له بعض الفوائد المعرفية. أما استخدام الشاشة كجليس دائم للطفل، فهو ما يشكل الخطورة الحقيقية.”


💡 كيف نحمي أطفالنا من إدمان الشاشات؟ (نصائح طب توداي)

✅ 1. ابدأ بالقدوة

إذا كنت تمسك بهاتفك طوال الوقت، فلا تتوقع من طفلك أن يبتعد عن الشاشة. احرص على أن يراك تمارس أنشطة متنوعة دون الاعتماد الدائم على الأجهزة.

✅ 2. حدد وقت الشاشة بوضوح

استخدم أدوات الرقابة الأبوية لتحديد وقت الاستخدام، والتزم بجدول زمني يُظهر للطفل أن هناك وقتًا للشاشة، ووقتًا للنوم، واللعب، والقراءة.

✅ 3. اختَر المحتوى بعناية

ليس كل ما يُعرض على الشاشات مناسبًا للأطفال. احرص على اختيار برامج تعليمية هادفة، وتجنب المحتوى السريع أو العنيف.

✅ 4. شجع اللعب الحركي

خصص وقتًا للعب بالألعاب اليدوية، أو ممارسة الرياضة، أو حتى اللعب في الهواء الطلق، لتعزيز النمو الحسي الحركي لدى الطفل.

✅ 5. شارك في المشاهدة

عند مشاهدة الطفل لأي محتوى، شاركه وعلّق معه، واطرح عليه أسئلة لفهم ما يشاهده وتحفيزه على التفكير.


🛌 هل تؤثر الشاشات على نوم الأطفال؟

نعم، وبشدة. يؤكد د. حسام طه، أخصائي طب الأطفال وحديثي الولادة، أن “الضوء الأزرق المنبعث من الشاشات يعطل إفراز هرمون الميلاتونين المسؤول عن النوم، مما يؤدي إلى تأخر النوم واضطراب جودته.”
وينصح بتجنب استخدام الشاشات قبل النوم بساعة إلى ساعتين، خاصة للأطفال دون سن العاشرة.


👨‍👩‍👧 دور الأهل في إعادة التوازن

في ظل غياب الرقابة المجتمعية الكافية، يقع على عاتق الأهل العبء الأكبر في توجيه سلوك الطفل الرقمي. التربية الحديثة لا تعني منعه تمامًا، ولكن تعني مرافقة واعية، وتحديد الاستخدام، وتوفير بدائل ممتعة.

وتقول د. نجلاء مصطفى، أستاذة علم النفس التربوي: “الحل ليس في منع الطفل عن الشاشات، بل في جعله لا يحتاجها طوال الوقت. الطفل الذي يجد في أسرته تفاعلاً، وفي يومه متعة، لن يهرب إلى العالم الافتراضي.”


📚 ماذا يقول العلم؟

أشارت دراسة حديثة نُشرت في مجلة JAMA Pediatrics إلى أن الأطفال الذين يقضون أكثر من ساعتين يوميًا أمام الشاشات يُظهرون انخفاضًا في مهارات اللغة والذاكرة والقدرة على حل المشكلات. كما أظهرت دراسة أخرى في جامعة كالجاري أن الدماغ لدى الطفل يتفاعل مع الشاشة بشكل يختلف تمامًا عن التفاعل مع الكتب أو الوجوه البشرية، مما قد يؤثر على النمو العصبي والاجتماعي طويل المدى.


🧭 الطريق إلى الاستخدام الآمن

ليس المطلوب أن نمنع أطفالنا من استخدام التكنولوجيا، بل المطلوب هو إدارتها بوعي. فالطفل الذي ينمو في بيئة رقمية آمنة، متوازنة، ومليئة بالحب والتفاعل، هو طفل مستعد لمستقبل ذكي دون أن يخسر طفولته.


حقوق النشر

جميع الحقوق محفوظة © لمنصة طب توداي


منصة طب توداي

طب توداي هي مرجعية العرب الطبية الأولى في مصر والشرق الأوسط، تقدم محتوى طبي موثوق، مبني على آراء نخبة من الأطباء والخبراء، بلغة مبسطة تناسب جميع الأعمار والفئات.


 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى