دكتور علاء الدين مرسي: ضعف الذاكرة… هل هو بداية النهاية؟ أم مجرد خلل قابل للإصلاح؟
كتبت - هبة مخلص

ضعف الذاكرة أحد أكثر الأعراض شيوعًا لدى كبار السن، بل وحتى عند الشباب في ظل ضغوط الحياة المتزايدة وسرعة الإيقاع العصبي اليومي. لكن السؤال الذي يشغل الأذهان: هل هذا الضعف دائم ولا يمكن تغييره؟ أم يمكن عكسه أو تحسينه بالتدخل العصبي والعلاج المناسب؟
يجيب على هذا السؤال الدكتور علاء الدين مرسي، استشاري طب المخ والأعصاب، في حواره مع منصة طب توداي، مؤكدًا أن تحديد السبب هو النقطة الفاصلة في رحلة العلاج، فهناك أنواع من ضعف الذاكرة قابلة للعكس والتحسن، وأخرى ترتبط بأمراض تنكسية يصعب معها استعادة الذاكرة بشكل كامل.
الذاكرة… آلية عمل معقدة
كيف يعمل العقل ليسترجع المعلومات؟
الذاكرة ليست صندوقًا تُخزن فيه المعلومات فحسب، بل هي منظومة عصبية دقيقة تعتمد على تفاعل مناطق معينة من الدماغ، خاصة الفص الصدغي والحصين (Hippocampus). وهناك مراحل ثلاث لمعالجة المعلومات: الترميز، التخزين، والاسترجاع. أي خلل في واحدة منها قد يؤدي إلى ضعف في الذاكرة.
يشرح د. علاء الدين مرسي: “ضعف الذاكرة لا يعني فقط فقدان القدرة على التذكر، بل قد يكون نتيجة لعدم القدرة على التركيز أو الانتباه الكافي لتخزين المعلومة من البداية”.
أنواع ضعف الذاكرة… ليست كلها متشابهة
نسيان عرضي أم مشكلة عصبية؟
- نسيان مؤقت ناتج عن التوتر أو قلة النوم
- ضعف ذاكرة مرتبط بتقدم العمر (الشيخوخة الطبيعية)
- ضعف مرتبط بمشكلات عضوية مثل نقص الفيتامينات
- ضعف ذاكرة ناتج عن صدمة نفسية أو اكتئاب
- ضعف ذاكرة ناتج عن إصابة دماغية أو جلطة
- الضعف الناتج عن أمراض تنكسية مثل الزهايمر أو الخرف المبكر
ويشير الدكتور مرسي إلى أن “التفريق بين الأنواع هو الخطوة الأولى لتحديد إمكانية العلاج. فليس كل نسيان يعني زهايمر، وليس كل ضعف في التذكر غير قابل للعكس”.
متى يكون ضعف الذاكرة قابلًا للعكس؟
إشارات تدعو للتفاؤل
يمكن علاج أو تحسين ضعف الذاكرة إذا كان مرتبطًا بأحد العوامل التالية:
- نقص فيتامين B12 أو فيتامين D
- اضطرابات الغدة الدرقية
- الحرمان من النوم أو اضطراباته
- الاكتئاب والقلق المزمن
- استخدام أدوية تؤثر على الوظيفة المعرفية
- الانفصال الاجتماعي وقلة التحفيز الذهني
بمجرد علاج السبب أو تحسين نمط الحياة، تعود الذاكرة إلى حالتها الطبيعية نسبيًا. وهنا يأتي دور التدخل العصبي سواء الدوائي أو السلوكي.
التدخل العصبي… أمل للدماغ
كيف يعالج الطب العصبي ضعف الذاكرة؟
- العلاج الدوائي: لبعض الحالات مثل الزهايمر أو نقص الناقلات العصبية
- التحفيز المغناطيسي للدماغ (rTMS): يُستخدم لتحفيز مناطق معينة في الدماغ وتنشيطها
- العلاج المعرفي السلوكي: لتدريب الدماغ على استراتيجيات الحفظ والتذكر
- برامج تدريب الذاكرة الرقمية والتقنية
- تعديل الأدوية المسببة للنسيان أو تغييرها
ويقول د. مرسي: “التدخل العصبي لا يعني بالضرورة الجراحة، بل يشمل كل تدخل طبي أو تقني أو معرفي لتحسين أداء الدماغ”.
إشارات تستدعي زيارة طبيب المخ والأعصاب
لا تتجاهل النسيان إذا تكرر
- نسيان مواعيد أو أماكن معتادة بشكل متكرر
- صعوبة في إيجاد الكلمات أثناء الحديث
- تكرار الأسئلة نفسها أكثر من مرة
- فقدان القدرة على القيام بالمهام اليومية المعتادة
- تغيرات في الشخصية أو السلوك
كل هذه علامات تستدعي التقييم العصبي الفوري، لأن الاكتشاف المبكر يزيد من فرص العلاج.
نصائح عملية لتحسين الذاكرة
ما يمكنك فعله يوميًا لعقلك
- نَمْ جيدًا: النوم العميق يعزز تثبيت المعلومات
- مارس الرياضة: المشي يحسّن الدورة الدموية للدماغ
- اتبع نظامًا غذائيًا متوازنًا
- تجنب الكحول والتدخين
- تمرن ذهنيًا: حل الألغاز والكلمات المتقاطعة
- شارك اجتماعيًا: التفاعل يعزز الذاكرة طويلة المدى
- قلل التوتر: استخدم تقنيات التنفس والتأمل
التغذية وعلاقتها بالذاكرة
غذاء الدماغ الذكي
- أوميغا 3: موجود في الأسماك الدهنية والمكسرات
- فيتامين B12: موجود في اللحوم والبيض والحليب
- مضادات الأكسدة: مثل التوت الأزرق، الشاي الأخضر، والسبانخ
- الحديد والزنك: لتحسين التوصيل العصبي
- الابتعاد عن السكر المصنع والكربوهيدرات البسيطة
يؤكد د. علاء الدين مرسي أن “العقل مثل العضلة، يحتاج تغذية ورياضة وراحة ليعمل بأقصى طاقته”.
المستقبل: هل من علاجات جديدة؟
أبحاث واعدة قادمة
بدأت الأبحاث في استخدام الذكاء الاصطناعي للكشف المبكر عن الخرف، وتطوير لقاحات مضادة لتراكم البروتينات المسببة للزهايمر، كما يتم تطوير أجهزة قابلة للزراعة لتحفيز الدماغ كهربائيًا في مراحل متقدمة من فقدان الذاكرة.
لكن حتى اليوم، يبقى الوقاية، التشخيص المبكر، والتدخل العصبي الصحيح هم ثلاثي النجاة من فقدان الذاكرة الكامل.
الخلاصة: الذاكرة كنز قابل للاستعادة
ضعف الذاكرة لا يعني دائمًا النهاية، بل في كثير من الأحيان يكون جرس إنذار يمكن التعامل معه مبكرًا. من خلال استشارة الطبيب المختص، واتباع نمط حياة صحي، ودمج التقنيات العصبية الحديثة، يمكن للكثيرين استعادة ذاكرتهم وتحسين جودة حياتهم بشكل كبير.
جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة لمنصة طب توداي
منصة طب توداي هي مرجعية العرب الطبية الأولى في مصر والشرق الأوسط