ما الفرق بين الحزن الطبيعي والاكتئاب المرضي؟

كتبت - رحمة محمود

الصحة النفسية ليست رفاهية كما يظن البعض، بل هي ركيزة أساسية للصحة العامة، تمامًا كسلامة القلب والكبد والعظام. وفي زمن يزداد فيه الضغط النفسي، وتتعقد فيه العلاقات، لم تعد الإصابة بالاكتئاب أو القلق أو اضطرابات النوم أمرًا غريبًا، بل أصبحت واقعًا نعيشه. الأسوأ من ذلك أن إهمال هذه الاضطرابات قد يقود صاحبه إلى طريق الإدمان، بحثًا عن مهرب مؤقت من الألم.

في هذا التقرير، نفتح ملف الصحة النفسية والإدمان، ونسلط الضوء على العلاقة الخفية بين الاثنين، ونقدم نصائح الخبراء في كيفية الوقاية والعلاج، من خلال حوار خاص مع د. نجلاء فهمي، استشارية الطب النفسي وعلاج الإدمان.


ما الفرق بين الحزن الطبيعي والاكتئاب المرضي؟

الحزن رد فعل طبيعي لفقد أو فشل أو خيبة أمل، وهو شعور مؤقت لا يعوق حياة الإنسان. أما الاكتئاب، فهو حالة مرضية تؤثر في التفكير والسلوك والنوم والشهية والقدرة على العمل.

توضح د. نجلاء أن:

“الاكتئاب قد يبدأ من مشاعر بسيطة بالإحباط أو فقدان الاهتمام، ثم يتطور تدريجيًا إلى عزلة، اضطرابات نوم، أفكار سلبية، وقد يصل إلى الإدمان كمحاولة للهروب من الألم النفسي”.


كيف يرتبط الاكتئاب بالإدمان؟

كثير من حالات الإدمان تبدأ بمحاولة التخفيف من معاناة نفسية، سواء كانت قلقًا، توترًا، صدمة، أو حتى إحساسًا بالفراغ.

تقول د. نجلاء: “هناك ارتباط وثيق بين الاكتئاب وتعاطي المواد المخدرة، فالشخص المكتئب قد ينجذب لأي مادة تُشعره بلحظة سعادة أو تخدّر مشاعره، حتى ولو كانت مدمرة”.

وتتابع:

“بعض المواد كالحشيش والترامادول قد تعطي شعورًا مؤقتًا بالراحة، لكن سرعان ما يتحول هذا إلى إدمان يحتاج جرعات أكبر، ويتسبب في تدهور الحالة النفسية أكثر”.


هل يمكن الوقاية من الأمراض النفسية؟

نعم، الوقاية ممكنة، بل ضرورية. وتعتمد على عدة عوامل أهمها:

  1. التربية العاطفية الجيدة: تعليم الطفل التعبير عن مشاعره وعدم كبتها.
  2. دعم الأسرة: العائلة هي الحصن الأول لأي فرد يعاني من اضطراب نفسي.
  3. مراقبة التغيرات السلوكية: الانطواء المفاجئ، العدوانية، اضطرابات النوم، مؤشرات يجب عدم تجاهلها.
  4. الاستماع بدلًا من اللوم: كثير من المراهقين ينغلقون نفسيًا لأن الأهل ينتقدونهم بدلًا من احتضانهم.
  5. الاستشارة المبكرة: كلما كان التدخل النفسي أسرع، كلما كان الشفاء أيسر.

من الأكثر عرضة للإدمان النفسي؟

تشير د. نجلاء إلى أن بعض الفئات أكثر عرضة للإصابة، مثل:

  • المراهقون: بسبب الاضطرابات الهرمونية والضغط الدراسي والتأثر بالأصدقاء.
  • الناجون من الصدمات: مثل فقدان أحد الوالدين، أو التعرض لتحرش أو تنمّر.
  • أصحاب الاضطرابات المزمنة: مثل القلق أو الوسواس القهري أو اضطراب ثنائي القطب.
  • العاطلون عن العمل: بسبب الإحباط والشعور بعدم القيمة.
  • النساء في فترة ما بعد الولادة: حيث تكثر اضطرابات المزاج.

متى يجب طلب المساعدة النفسية؟

ليس هناك وقت محدد، فكل شخص يعرف نفسه. لكن بعض المؤشرات تستدعي تدخلًا نفسيًا عاجلًا:

  • البكاء المتكرر دون سبب واضح
  • فقدان الشغف بالحياة أو بالأنشطة المفضلة
  • مشاكل في النوم (أرق أو نوم مفرط)
  • تغيرات في الشهية أو الوزن
  • أفكار انتحارية أو إيذاء النفس
  • اللجوء للمواد المهدئة أو المنشطة بدون إشراف طبي

هل العلاج النفسي يعني “الجنون”؟

للأسف، ما زال الكثيرون يخافون من العلاج النفسي بسبب وصمة العار المجتمعية. لكن د. نجلاء تؤكد أن:

“الذهاب لطبيب نفسي لا يعني الجنون، بل هو علامة على الوعي والرغبة في الشفاء. تمامًا مثل زيارة طبيب العظام عند الشعور بآلام المفاصل”.

وتشير إلى أن بعض المشاهير العالميين يتحدثون علنًا عن تجاربهم مع العلاج النفسي، كوسيلة لرفع الوعي المجتمعي.


ما دور الأسرة في منع الإدمان؟

الأسرة ليست فقط خط الدفاع الأول، بل هي البيئة التي إما تقي من المرض النفسي أو تساهم فيه.
النقاش المفتوح، الإصغاء دون حكم، الاحترام المتبادل، ومراقبة الأصدقاء والسلوكيات.. كلها أدوات فعالة للوقاية.

وتقول د. نجلاء:

“في معظم حالات الإدمان التي أتابعها، يكون هناك تاريخ من الإهمال أو العنف الأسري أو غياب التواصل داخل المنزل”.


هل هناك أمل في العلاج من الإدمان؟

نعم، العلاج ممكن ومتاح. ويشمل مراحل متعددة:

  • الفحص والتشخيص
  • إزالة السموم (الديتوكس)
  • العلاج النفسي الفردي والجماعي
  • إعادة التأهيل النفسي والاجتماعي
  • المتابعة لمنع الانتكاسة

المدة تختلف من شخص لآخر، حسب نوع المادة، شدة الاعتماد، والدعم الأسري.


خاتمة

الاكتئاب والإدمان وجهان لعملة واحدة: الألم الصامت. والوعي، والدعم، والعلاج هي المفاتيح الثلاثة للنجاة.
لا تتردد في طلب المساعدة أو تقديمها لمن تحب، فالكلمة الطيبة قد تنقذ حياة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى