قلق الأداء: عندما يتحول السعي للنجاح إلى عبء نفسي خانق

كتبت - سهى محمد

في عالم يتزايد فيه التنافس وتُقاس فيه القيمة الذاتية بالإنجازات، يظهر “قلق الأداء” كأحد أكثر أشكال القلق شيوعًا بين الشباب والمهنيين. وتوضح د. نادين فؤاد، استشارية الطب النفسي، في حديثها مع منصة “طب توداي”، أن هذا النوع من القلق لم يعد مجرد حالة عابرة، بل تحول إلى نمط حياتي خفي يؤثر على الثقة بالنفس، والصحة العقلية، وحتى الأداء ذاته.


🔹 ما هو قلق الأداء؟

قلق الأداء هو حالة نفسية يشعر فيها الشخص بالخوف الشديد من الفشل أو من أن يُحكم عليه سلبًا أثناء تأديته لمهمة معينة. وغالبًا ما يظهر في مواقف تتطلب تقييمًا مباشرًا، مثل الامتحانات، المقابلات، العروض التقديمية، وحتى المهام اليومية في بيئة العمل.

تشير د. نادين إلى أن قلق الأداء ليس دائمًا متعلقًا بالقدرات الفعلية، بل بنظرة الفرد لنفسه وتوقعاته عن ردود فعل الآخرين. “يمكن لطالب متفوق أن يعاني من قلق الأداء أكثر من غيره، لأنه يرى أن أي خطأ سيهدد صورته الذاتية المثالية”، على حد قولها.


🔹 كيف يتجلى قلق الأداء في حياتنا اليومية؟

يتجلى قلق الأداء في عدة صور، منها:

  • التوتر الشديد قبل المهام المهمة.
  • اضطرابات النوم أو التفكير الزائد.
  • التردد في خوض التحديات الجديدة.
  • الميل إلى الكمالية (Perfectionism).
  • الانسحاب من المواقف الاجتماعية أو المهنية.

تقول د. نادين: “كثير من الشباب يعانون في صمت، ويظنون أن مشاعرهم ناتجة عن ضعف، بينما هي في الحقيقة رد فعل نفسي طبيعي لضغط بيئة غير صحية”.


🔹 هل قلق الأداء ظاهرة حديثة أم قديمة بثوب جديد؟

من منظور نفسي، قلق الأداء ليس جديدًا، لكن سرعته وانتشاره تزايدا مع متطلبات العصر الرقمي. الضغط من وسائل التواصل، التقييم المستمر للذات من خلال الإعجابات والتعليقات، وتزايد المقارنات بين الأفراد، كلها عوامل ساهمت في ترسيخ هذا النوع من القلق لدى الشباب.

وتوضح د. نادين أن بيئات العمل أيضًا أصبحت تفرض معايير عالية جدًّا دون دعم نفسي كافٍ، مما يحوّل الموظف إلى آلة إنجاز يعيش في دوامة التقييم المستمر.


🔹 لماذا يُعتبر قلق الأداء خطرًا صامتًا؟

يكمن الخطر في أن المصابين بقلق الأداء قد يبدون من الخارج ناجحين ومتفوقين، بينما هم في الداخل يعانون من ضغط نفسي هائل. وقد يؤدي ذلك إلى:

  • انخفاض الإنتاجية رغم الجهد الكبير.
  • الانعزال الاجتماعي.
  • الاكتئاب أو نوبات الهلع.
  • فقدان الشغف والتعرض للاحتراق النفسي.

“من أكثر الحالات التي أتعامل معها في العيادة الآن هي حالات احتراق مهني ناتجة في الأساس عن قلق الأداء المزمن”، تقول د. نادين.


🔹 هل يمكن التخلص من قلق الأداء نهائيًا؟

الهدف من العلاج ليس التخلص الكامل من القلق، بل التعامل الصحي معه. وتوضح د. نادين أن “بعض التوتر قد يكون محفّزًا، لكن إذا تجاوز حده، تحوّل إلى معيق”. وهنا تبرز أهمية:

  • العلاج المعرفي السلوكي (CBT).
  • جلسات التدريب على الوعي الذاتي.
  • تقنيات التنفس والاسترخاء.
  • إعادة برمجة التفكير السلبي عن الذات.

🔹 دور العلاج المعرفي السلوكي في قلق الأداء

يُعد العلاج المعرفي السلوكي أحد أكثر العلاجات فعالية لقلق الأداء. ويعمل على:

  • تصحيح الأفكار المشوهة حول الفشل والتقييم.
  • تعليم مهارات تنظيم الوقت والمهام.
  • بناء تقدير ذاتي مستقل عن الإنجاز فقط.

وتقول د. نادين: “في كثير من الحالات، نساعد الشخص على تقبل ذاته كما هي، وليس كما يجب أن تكون”.


🔹 تدريبات الوعي الذاتي: خطوة نحو التحرر

تساعد تدريبات الوعي الذاتي (Mindfulness) على فصل الشخص عن أفكاره السلبية، وملاحظة مشاعره دون حكم. وتشير الدراسات إلى أن ممارسة التأمل الواعي لمدة 10 دقائق يوميًا يمكن أن تقلل من أعراض القلق وتحسن الأداء الفعلي.


🔹 ماذا يمكن أن نفعل كأفراد ومجتمع؟

  • كأفراد: نحتاج إلى إعادة تعريف النجاح، وعدم ربط قيمتنا بالنتائج فقط.
  • كأسر: دعم الأبناء نفسيًا، وعدم ربط الحب أو التقدير بالإنجازات فقط.
  • كمؤسسات: إدراج الدعم النفسي ضمن سياسات العمل والتدريب.

🔹 متى يجب اللجوء إلى مختص؟

إذا استمر القلق في التأثير على النوم، المزاج، العلاقات، أو الأداء، فهنا يُنصح بمراجعة طبيب نفسي. وتؤكد د. نادين أن العلاج المبكر يقلل من احتمالية تفاقم الأعراض، ويعيد للفرد توازنه بسرعة أكبر.


🔹 كلمة أخيرة من منصة طب توداي

قلق الأداء ليس علامة ضعف، بل إشارة إلى أننا نحتاج إلى التوازن بين الطموح والرعاية الذاتية. النجاح لا يعني سحق الذات في سبيل تحقيق أهداف مثالية. علينا أن نتعلم كيف نُنجز من موقع الثقة لا من منطلق الخوف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى