“د. عمرو عبد الوهاب بدير: الطعام الصحي والتطعيم لا يغني أحدهما عن الآخر”

كتبت نادين عمر

تبدأ رحلة مناعة الطفل منذ اللحظة الأولى للولادة، بل وقبلها في رحم الأم. وبينما يسود اعتقاد لدى بعض الآباء بأن الغذاء الجيد كافٍ لحماية الأطفال من الأمراض، يرى آخرون أن التطعيمات وحدها كفيلة بتأمين جدار الحماية. لكن الحقيقة التي يكشفها الأطباء هي أن المناعة ليست خيارًا بين هذا أو ذاك، بل هي منظومة متكاملة، يساهم فيها الطعام، والنوم، واللقاحات، وحتى البيئة المحيطة.

في هذا التقرير، نستعرض خريطة بناء مناعة الطفل، مع توضيح دور كل عنصر فيها، من الغذاء إلى اللقاح، ومن الرضاعة إلى النوم، مستنيرين برأي متخصص في طب الأطفال وحديثي الولادة.


كيف تتكون مناعة الطفل؟

يوضح الدكتور عمرو عبد الوهاب بدير، استشاري طب الأطفال وحديثي الولادة، أن مناعة الطفل تُقسم إلى نوعين: مناعة فطرية يولد بها، ومناعة مكتسبة تتطور بمرور الوقت. يقول: “المناعة الفطرية هي خط الدفاع الأول، لكنها محدودة، أما المكتسبة فهي التي تُبنى بالتعرض التدريجي لمسببات الأمراض أو من خلال التطعيمات”.

ويضيف: “الأطفال في عامهم الأول يمرون بمرحلة حساسة جدًا، ويحتاجون فيها إلى دعم قوي للمناعة، يبدأ بالرضاعة الطبيعية، ويستمر عبر التغذية السليمة والتطعيمات الأساسية”.


الرضاعة الطبيعية: أول لقاح طبيعي

الرضاعة الطبيعية ليست فقط وسيلة للتغذية، بل هي أداة فاعلة في تعزيز مناعة الطفل. تحتوي لبن الأم على أجسام مضادة تنتقل إلى الرضيع لتحميه من الالتهابات، خصوصًا خلال الشهور الأولى.

يؤكد د. عمرو: “الرضاعة الطبيعية هي أول وأقوى دعم مناعي يحصل عليه الطفل، بل هي اللقاح الطبيعي الذي يقيه من نزلات البرد، التهابات الأذن، والإسهال، وغيرها من الأمراض المعدية”.


التطعيمات: درع مناعي أساسي لا يُستغنى عنه

تُعد التطعيمات عنصرًا لا يمكن تجاهله في منظومة تقوية المناعة. منذ الولادة، يحصل الطفل على جدول تطعيمات محدد من وزارة الصحة، يشمل أمراضًا خطيرة مثل الدرن، شلل الأطفال، الالتهاب الكبدي، والدفتيريا.

يشير د. عمرو عبد الوهاب إلى أن “إهمال أي جرعة من التطعيم قد يترك الطفل عرضة لأمراض خطيرة، بعضُها لا علاج له إلا بالوقاية المسبقة. كما أن التزام الدولة بتوفير التطعيمات مجانًا يجعل الإهمال فيها أمرًا لا يُغتفر”.


دور الغذاء في دعم المناعة

ما بين عمر 6 أشهر وسنة، يبدأ إدخال الأطعمة الصلبة إلى غذاء الطفل. وهنا يظهر دور الغذاء في تقوية المناعة، لكن بشرط أن يكون متوازنًا ومتنوعًا. الخضروات الطازجة، الفاكهة، البروتينات الحيوانية والنباتية، جميعها ضرورية لتقوية الجهاز المناعي.

“الخضار الورقي يحتوي على مضادات أكسدة، والفاكهة تمد الجسم بالفيتامينات، أما البروتين فيدعم إنتاج الخلايا المناعية”، يوضح د. عمرو.

ويحذر من الاعتماد المفرط على السكريات والأطعمة المصنعة التي تُضعف المناعة وتزيد من التهابات الجسم المزمنة حتى في الأطفال.


ماذا عن فيتامين د والزنك؟

يُشكل فيتامين “د” أحد العناصر الأساسية في دعم المناعة. ويعاني كثير من الأطفال من نقصه، خاصة في المدن، بسبب قلة التعرض لأشعة الشمس. وينصح الأطباء بإعطاء مكملات فيتامين “د” للرضع والأطفال، إلى جانب مكملات الزنك في بعض الحالات.

يقول د. عمرو: “نحن نتابع نسب فيتامين د والزنك للأطفال في العيادات، وننصح الآباء بالفحوصات الدورية، لأنها عناصر تلعب دورًا رئيسيًا في مقاومة العدوى”.


النوم الجيد والنظافة الشخصية

النوم المنتظم له تأثير مباشر على المناعة. الأطفال الذين لا ينامون ساعات كافية يكونون أكثر عرضة للعدوى. كذلك، النظافة الشخصية وغسل اليدين بشكل منتظم يساعدان في تقليل الإصابة بالأمراض التنفسية والهضمية.

ويضيف الدكتور: “نُفاجأ أحيانًا بأطفال مصابين بنزلات متكررة فقط بسبب عادات بسيطة مثل وضع الأيدي في الفم، أو اللعب في بيئة ملوثة”.


هل الإفراط في النظافة يضعف المناعة؟

من المعتقدات الشائعة أن الطفل يجب أن يتعرض لبعض الجراثيم لتقوية مناعته، وهو اعتقاد فيه بعض الصحة، لكن بشروط.

يوضح د. عمرو: “لا نقصد تعريض الطفل لأمراض، بل نُشير إلى أن بيئة معقمة تمامًا قد تمنع المناعة من التعلم والتطور. التوازن مطلوب، فالنظافة مطلوبة لكن دون هوس مفرط”.


هل يمكن “رفع” المناعة بالأدوية؟

بعض الأمهات يطلبن وصفات لزيادة مناعة الطفل، لكن الحقيقة أن الأدوية ليست بديلاً عن أسلوب حياة صحي. كل ما يحتاجه الطفل لبناء مناعة قوية هو:

  • تغذية جيدة
  • تطعيمات منتظمة
  • نوم كافٍ
  • نشاط بدني معتدل
  • تجنب التدخين السلبي

في الختام

لا توجد وصفة سحرية لتقوية مناعة الطفل، لكن توجد خريطة واضحة تبدأ من أول يوم في الحياة، بل ومن فترة الحمل، وتشمل الرضاعة الطبيعية، التطعيم، التغذية، والنظافة، والحب والدعم النفسي أيضًا.

ويختتم الدكتور عمرو عبد الوهاب بدير كلامه قائلًا: “كل أم وأب يمكنهم أن يصنعوا الفرق في حياة طفلهم، إذا عرفوا الطريق الصحيح وابتعدوا عن الشائعات والممارسات الخاطئة”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى