حوار خاص مع الدكتورة سالي غلوش: كيف يؤثر اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) على حياتنا وكيفية التعافي منه؟
كتبت/ مي السايح

“طب توداي” يرصد لكم في هذا التقرير كل ما تحتاجون معرفته عن اضطراب ما بعد الصدمة وكيفية التعامل معه بشكل علمي ونفسي سليم، وذلك في حوارنا مع د. سالي غلوش، استشارية الصحة النفسية بجامعة ليدز.
اضطراب ما بعد الصدمة.. عندما تظل الذاكرة أسيرة الألم
قد يمر الإنسان بأحداث قاسية، كحادث أو اعتداء أو حتى مشاهدة شيء مرعب، ثم يجد نفسه بعد مرور الوقت غير قادر على نسيان ما حدث.
هذه المشاعر القوية التي تلازمه وتؤثر على نومه، تركيزه، وانفعالاته، قد تكون مؤشرًا على الإصابة باضطراب كرب ما بعد الصدمة، المعروف عالميًا باسم PTSD.
ما هو اضطراب كرب ما بعد الصدمة؟
توضح د. سالي غلوش أن هذا الاضطراب هو حالة نفسية خطيرة تنجم عن التعرض لحدث صادم أو مخيف بشكل مفرط، وتستمر أعراضه لأكثر من شهر، مسببة خللًا في الحياة اليومية والمهنية. من أبرز هذه الأعراض: الكوابيس، استرجاع الذكريات المؤلمة، القلق المستمر، أو حتى نوبات الغضب المفاجئة.
هل يمكن أن أُصاب به بعد أي صدمة؟
تقول د. غلوش إن معظم الناس يشعرون بقلق طبيعي بعد الأحداث الصادمة، لكن في الحالات التي لا يتحسن فيها الشخص بمرور الوقت، وتبدأ الأعراض في التأثير على جودة حياته بشكل مزعج، هنا يُحتمل أن يكون قد تطوّر الأمر إلى اضطراب PTSD ويجب التدخل.
4 أنواع رئيسية من الأعراض
يُقسم الأطباء الأعراض إلى أربع مجموعات رئيسية
1. الذكريات المقتحمة: استرجاع مفاجئ ومؤلم للحدث الصادم، كأنك تعيشه من جديد، ويصحبه أحيانًا كوابيس أو ردود فعل جسدية كخفقان القلب أو العرق الغزير.
2. التجنّب: محاولة مستمرة لتجنّب كل ما يذكّرك بالحادث، سواء أماكن أو أشخاص أو حتى أفكار.
3. التغيّرات المزاجية والسلبية في التفكير: فقدان الشغف، شعور دائم بالذنب أو الخزي، نظرة متشائمة للحياة، وحتى الانفصال العاطفي عن المقربين.
4. الاستثارة الجسدية والعاطفية: فرط يقظة، ردود فعل عدوانية، صعوبة في النوم أو التركيز، والسلوكيات المدمّرة مثل تعاطي المخدرات أو القيادة المتهورة.
أطفالنا ليسوا بعيدين عن التأثر
تضيف د. سالي أن الأطفال دون سن 6 سنوات قد يظهرون اضطراب ما بعد الصدمة بشكل مختلف، كإعادة تمثيل الحادث في ألعابهم، أو عبر كوابيس متكررة، حتى لو لم يكن مضمونها واضحًا.
هل تزيد الأعراض مع الوقت؟
الإجابة نعم، بحسب د. غلوش. فكلما طالت فترة الإهمال أو التجاهل للأعراض، زادت شدتها. وقد تظهر فجأة بعد أشهر أو حتى سنوات، خاصة إذا مرّ الشخص بتجربة مشابهة أو وقت مشابه لوقوع الحادث السابق.
متى يجب طلب المساعدة؟
تشدد د. غلوش على أهمية استشارة الطبيب إذا استمرت الأفكار السلبية والأعراض المزعجة لأكثر من شهر، أو بدأت تؤثر على الوظيفة والعلاقات والروتين اليومي، وتضيف: “تجاهل المشكلة يزيدها تعقيدًا، والعلاج المبكر يقلّل فرص التدهور”.
وإذا ظهرت أفكار انتحارية؟
هنا تقول د. سالي: لا تنتظر، اطلب المساعدة فورًا. تواصل مع طبيب، معالج، أو حتى صديق مقرّب. الدعم النفسي العاجل يمكن أن ينقذ حياة.
لماذا نصاب باضطراب ما بعد الصدمة؟
السبب ليس فقط ما حدث لك، بل كيف تفاعل جسمك وعقلك مع الحدث. فبعض الناس لديهم تاريخ عائلي من الاكتئاب أو القلق، أو نشأوا في بيئة قاسية، مما يجعلهم أكثر عرضة. كما تلعب الشخصية والهرمونات العصبية دورًا مهمًا في شدة التأثر.
هل هناك فئات أكثر عرضة من غيرها؟
نعم، مثل الجنود، المسعفين، ضحايا العنف الجنسي أو البدني، وأيضًا من مرّوا بكوارث طبيعية أو حوادث عنيفة. ضعف شبكة الدعم الاجتماعي أو إدمان الكحول والمخدرات يزيدان أيضًا من خطر الإصابة.
مضاعفات لا يجب إغفالها
تحذر د. سالي من تجاهل الاضطراب، حيث قد يؤدي إلى اكتئاب مزمن، إدمان، أو حتى محاولات انتحار. كما أنه يعيق النجاح الدراسي أو المهني، ويؤثر على الحياة الاجتماعية بشكل كبير.
كيف نحمي أنفسنا من الإصابة؟
الوقاية تبدأ بعد الحدث مباشرة. توصي د. سالي بالحصول على دعم عاطفي من الأسرة، الأصدقاء، أو المتخصصين، وعدم الانعزال. تقول: “الحديث عن التجربة مع شخص موثوق فيه قد يكون أقوى علاج وقائي، لأنه يمنع تراكم المشاعر السلبية”.