اضطراب الهوية في عصر السوشيال ميديا: من نحن في مرآة الآخرين؟

كتبت - مريم أحمد عبد الكربم

في عالم تتزاحم فيه الصور والقصص والنجاحات المبهرة على شاشاتنا الصغيرة، بات من الصعب على الكثيرين—وخاصة الشباب—تمييز ذواتهم الحقيقية وسط هذا الضجيج الرقمي. لم يعد بناء الهوية أمرًا داخليًا نابعًا من التجربة والتأمل، بل أصبح مرهونًا بعدد الإعجابات والمقارنات اليومية مع الآخرين. فما تأثير ذلك على التوازن النفسي؟ وهل يمكن أن يؤدي الاستخدام المكثف لمنصات التواصل إلى اضطراب فعلي في إدراك الذات؟

🧑‍⚕️ رأي الطبيب:

توضح د. نادين شوقي، استشارية الطب النفسي، في تصريحات لمنصة طب توداي أن اضطراب الهوية المرتبط بالتكنولوجيا الرقمية أصبح ظاهرة متنامية، خصوصًا مع الاستخدام المفرط لتطبيقات مثل إنستغرام وتيك توك بين فئة المراهقين واليافعين. وتؤكد أن من واجب الطب النفسي اليوم أن يعيد تعريف حدود “الذات” في ظل العالم الرقمي الجديد.


🔹 ما هو اضطراب الهوية؟

اضطراب الهوية النفسية هو حالة يفقد فيها الإنسان الإحساس الواضح بمن يكون، أو تتزعزع لديه القيم والمبادئ والأهداف الشخصية، ما يجعله يعيش في حالة من التشتت والقلق.
في الماضي، كان يُربط هذا الاضطراب غالبًا بأزمات المراهقة أو الصدمات النفسية، لكن الواقع الرقمي غيّر هذه القواعد.


🔹 كيف تؤثر السوشيال ميديا على مفهوم الذات؟

  • المقارنة المستمرة: يرى المستخدم يوميًا عشرات الصور لأجساد مثالية، وحياة تبدو خالية من المشاكل، مما يعزز شعورًا بالنقص والتشكيك في الذات.
  • تضخيم الصورة الرقمية: يسعى البعض إلى خلق “نسخة مُنمقة” من أنفسهم على الإنترنت، تتطلب مجهودًا دائمًا للمحافظة على الانطباع المثالي، مما يؤدي إلى انفصال تدريجي عن الذات الحقيقية.
  • الإدمان على القبول الاجتماعي: يصبح التقدير الذاتي معتمدًا على عدد المتابعين والإعجابات، وليس على الشعور الداخلي بالقيمة.

🔹 المراهقون في عين العاصفة

تشير د. نادين شوقي إلى أن الفئة الأكثر هشاشة تجاه هذا النوع من الاضطراب هي المراهقون، لكونهم في مرحلة بناء الهوية بالفعل.
وتضيف:

“حين يتلقى المراهق رسائل متضاربة من الإنترنت والمجتمع والأسرة، دون وجود توجيه نفسي واضح، فهو مهدد بفقدان بوصلة الذات.”


🔹 الأعراض التي تستدعي الانتباه

  • الشعور المستمر بعدم الرضا عن النفس
  • تغيّر مستمر في الرغبات والأهداف
  • تبني شخصيات متعددة حسب المنصات
  • القلق أو الاكتئاب عند انخفاض التفاعل على المنشورات
  • الرغبة في الانعزال أو الشعور بعدم الانتماء لأي دائرة اجتماعية

🔹 هل اضطراب الهوية حالة مرضية فعلية؟

بحسب التصنيفات النفسية الحديثة (DSM-5)، لا يُدرج اضطراب الهوية المرتبط بالسوشيال ميديا كتشخيص منفصل، لكنه يُعتبر جزءًا من طيف اضطرابات الشخصية أو أحد آثار الضغط النفسي المزمن.
وتوضح د. نادين أن فهم السياق الثقافي والتقني ضروري لوضع خطة علاجية مناسبة لكل حالة.


🔹 العلاج: كيف نعيد تشكيل الهوية؟

  1. العلاج المعرفي السلوكي (CBT): يساعد المريض على تحليل الأفكار المشوهة المرتبطة بالمقارنة الاجتماعية، وبناء تصور صحي عن الذات.
  2. العلاج الجماعي: يوفّر فرصة لسماع تجارب الآخرين وفهم أن المعاناة مشتركة.
  3. فصل الواقع عن الرقمي: يتعلّم المريض كيفية التفاعل مع العالم الحقيقي دون التعلق المفرط بالهوية الرقمية.
  4. ممارسات اليقظة الذهنية: مثل التأمل وتمارين التنفس لتقوية الاتصال بالذات.
  5. إعادة بناء القيم الشخصية: عن طريق الحوار والكتابة والمشاركة في نشاطات واقعية.

🔹 دور الأسرة والمدارس

تلعب الأسرة دورًا مهمًا في دعم الهوية المستقرة لدى الطفل أو المراهق، من خلال:

  • الاستماع وعدم إصدار الأحكام
  • توفير وقت عائلي بعيد عن الشاشات
  • تشجيع المراهق على الأنشطة الاجتماعية المباشرة
  • تعليم أهمية التفرقة بين الحياة الواقعية والصورة الرقمية

🔹 نصيحة د. نادين شوقي عبر “طب توداي”

“علينا أن نُعلّم أبناءنا أن هويتهم لا تُقاس بعدد المتابعين، بل بمدى صدقهم مع أنفسهم، وقدرتهم على مواجهة الحياة دون أقنعة رقمية.”


🟢 الختام:

في زمن أصبحت فيه الهويات تتشكل عبر التطبيقات، تبقى الحاجة ملحّة للعودة إلى الداخل، والبحث عن “الذات” الحقيقية خلف الفلاتر والتعليقات. إن فهمنا لتأثير السوشيال ميديا على الهوية النفسية هو الخطوة الأولى نحو حماية جيل بأكمله من الانزلاق في دوامات فقدان الذات.


 

📌 ملاحظة ختامية:

جميع الحقوق محفوظة لمنصة طب توداي، المنصة الأهم والأكبر والأولى في مصر والمنطقة العربية.


 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى