p { text-align: justify; }

الإهمال الطبي في مصر بين الواقع والمسؤولية القانونية.. المحامي أحمد صلاح  يكشف لـ”طب توداي”: مش كل نتيجة سلبية تعتبر خطأ… والغلطة الجسيمة لها حساب تاني!

كتبت مي علوش

في السنوات الأخيرة، تكررت وقائع الإهمال الطبي في مصر، مثل حالة وفاة شابة بسبب خطأ في التخدير، وطفل فقد بصره نتيجة تشخيص خاطئ، وسيدة أُجريت لها عملية جراحية تُركت بعدها أدوات داخل جسدها. هذه الحوادث سلّطت الضوء على مفهوم الخطأ الطبي وحدوده القانونية.

وفي هذا الإطار، صرّح المحامي أحمد صلاح عبد الستار في تصريحات خاصة لـ طب توداي قائلاً: “الإهمال الطبي لا يُقصد به مجرد حدوث نتيجة سلبية، وإنما يُقصد به التقصير في اتباع الأصول العلمية والمهنية اللازمة في تقديم الرعاية الطبية”.

وأضاف أن “الطبيب لا يُلزم بتحقيق الشفاء، بل ببذل العناية اللازمة، وأي تقصير في هذا الالتزام يدخل في نطاق الخطأ الطبي بحسب القانون المصري.”

1. تعريف الخطأ الطبي

الخطأ الطبي في القانون المصري يُعرف بأنه تقصير الطبيب في بذل العناية اللازمة التي تقتضيها الأصول العلمية والفنية للمهنة الطبية، مما يؤدي إلى وقوع ضرر للمريض. يتضمن هذا التعريف عدة جوانب، تتعلق بالتزام الطبيب ببذل الجهود الصادقة واليقظة التي تتفق مع الظروف القائمة والأصول العلمية الثابتة بهدف شفاء المريض وتحسين حالته الصحية.

2. المعيار العام في تقدير الخطأ الطبي

المعيار العام لتقدير الخطأ الطبي يعتمد على مبدأ بذل العناية، حيث أن التزام الطبيب ليس بتحقيق نتيجة معينة (شفاء المريض)، وإنما ببذل عناية وجهود صادقة ويقظة تتفق مع الأصول المستقرة في علم الطب. يُقاس الخطأ الطبي على أساس سلوك الطبيب المماثل في نفس الظروف الخارجية المحيطة بالطبيب المسؤول.

3. أنواع الخطأ الطبي

 أوضح المحامي أحمد صلاح عبد الستار، في تصريحاته، أن: “التمييز بين أنواع الخطأ الطبي يساعد في تحديد مسؤولية الطبيب وتأثير الخطأ على الحالة الصحية للمريض، كما يساهم في توجيه المحكمة نحو التكييف القانوني المناسب لكل واقعة”. وأضاف أن هناك ثلاثة أنواع رئيسية من الخطأ الطبي:

أ. الخطأ العادي

وهو الخطأ الذي يرتكبه الطبيب في سلوكه اليومي نتيجة مخالفة واجب الحيطة والحذر المفروض على الجميع، سواء أكان طبيبًا أم غير طبيب. من أمثلته: أن يقوم الطبيب بإجراء عملية جراحية وهو في حالة سكر، أو أن يُخطئ في عملية التخدير بسبب الإهمال وعدم الانتباه.

و في هذا السياق أضاف: “الخطأ العادي قد لا يتطلب خبرة طبية متخصصة لإثباته، بل يُمكن للقاضي أن يُدركه بمجرد المقارنة مع السلوك المتوقع من أي شخص يتحلى بالحذر الواجب.”

ب. الخطأ المهني (الفني)

وهو الإخلال بالأصول الفنية للمهنة، ويشمل الأخطاء المتعلقة بالتشخيص الخاطئ، أو تحديد علاج لا يتناسب مع حالة المريض، أو ارتكاب خطأ أثناء إجراء جراحي دقيق. وهذا النوع يتطلب في العادة استعانة بخبير طبي لتقييم ما إذا كان الطبيب قد التزم فعلاً بالقواعد العلمية المتعارف عليها في مهنته.

وأشار إلى أن: “هذا النوع من الأخطاء يحتاج لتقرير من لجنة طبية مختصة، لأنه يتصل بجوانب فنية دقيقة يصعب على غير المختص الحكم عليها.”

ج. الخطأ الجسيم

ويُعد من أخطر أنواع الأخطاء، لأنه يمثل تقصيراً فادحاً وجهلاً واضحاً بالمبادئ الأساسية للطب، أو انحرافاً جلياً عن السلوك المهني السليم. ومن أمثلته: قيام طبيب غير متخصص بإجراء عملية معقدة، أو صرف أدوية خطيرة دون التأكد من تاريخ المريض المرضي.

وفي هذا الصدد، قال: “الخطأ الجسيم لا يُغتفر مهنياً، وقد يُشكّل جريمة يعاقب عليها القانون الجنائي، لأنه يُظهر استهتاراً أو جهلاً لا يتماشى مع الحد الأدنى من الكفاءة المطلوبة في مهنة الطب.”

4. أهم التعديلات التي أُجريت على مشروع قانون المسؤولية الطبية

شهد مشروع قانون المسؤولية الطبية في مصر تعديلات جوهرية تعكس توازناً بين حماية حقوق المرضى وضمان بيئة آمنة للأطباء لممارسة مهنتهم دون خوف من العقوبات غير العادلة.

وقد أشار المحامي أحمد صلاح عبد الستار إلى أن هذه التعديلات “تمثل تطوراً مهماً في المنظومة التشريعية الطبية، وتُراعي خصوصية المهنة وتفصل بوضوح بين الخطأ المهني الجائز والخطأ الجسيم المستوجب للمساءلة”.

وأبرز التعديلات جاءت كالتالي:

 إنشاء اللجنة العليا للمسؤولية الطبية، وهي الجهة الفنية المختصة التي تُعتبر مرجعية للتحقيق والمحاكم في تحديد نوع الخطأ المرتكب وطبيعته، مما يضمن تحقيق العدالة على أساس علمي.

 انتفاء المسؤولية عن الطبيب في حالات المضاعفات الطبية المتعارف عليها، إذا ثبت أنه اتبع الأصول الفنية والعلمية للمهنة.

 التمييز بين الخطأ الطبي العادي والخطأ الجسيم، بما يضمن عدم مساواة الطبيب الذي ارتكب هفوة مهنية بمن ارتكب إهمالاً فادحاً أو تقصيراً جسيماً.

  •  إلغاء عقوبة الحبس في الأخطاء الطبية العادية، والاكتفاء بالغرامات المالية.
  • قصر الحبس أو الغرامة على حالات الخطأ الجسيم فقط، مع التشديد على مدى جسامة التقصير.
  • خفض قيمة الغرامات المالية في الأخطاء الطبية العادية، لتتراوح بين 10 آلاف و100 ألف جنيه، بدلاً من مليون جنيه في النص السابق، ما يُراعي ظروف الطبيب الاقتصادية ويحفظ توازنه المهني.
  • حذف عبارة “للمساهمة” من نص المادة المتعلقة بإنشاء صندوق تعويض الأضرار الناتجة عن الأخطاء الطبية، بما يجعل الدولة ملزمة بدعم هذا الصندوق بشكل مباشر وواضح.
  •  تجريم الشكاوى الكيدية ضد الأطباء، من خلال فرض عقوبات تصل إلى الحبس والغرامة على من يثبت أنه قدّم بلاغاً كاذباً بنية الإضرار بالطبيب، وهو ما اعتبره المحامي أحمد صلاح عبد الستار “خطوة ضرورية لحماية الأطباء من الابتزاز أو التشهير المجاني، وضمان أن تكون المساءلة الطبية قائمة على حقائق لا ادعاءات”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى