«ما تقاطعينيش.. دي مش عيانتك».. جملة تكشف ضغط الأطباء في غرف الطوارئ

كتبت/ مي السايح

داخل أحد أقسام الاستقبال والطوارئ، حضر أب بسيط المظهر يبدو موظفًا من الطبقة المتوسطة، ممسكًا بيد طفلته ذات السبعة أعوام، وعلى جبينها جرح واضح يحتاج إلى خياطة وعدة غرز، بعدما تعرّضت لإصابة خفيفة لكنها تتطلب تدخلاً طبيًا سريعًا.

الأب الذي كان يبدو قلقًا على ابنته، كان في الوقت نفسه يفكر في تكلفة العلاج، فاختار – بعد استشارة الأطباء – أن تُجرى الخياطة تحت بنج موضعي في قسم الطوارئ بدلًا من إجراء عملية تحت بنج كلي بتكلفة أعلى لا يستطيع تحمّلها.

رافق الطفلة شقيقتها الكبرى، فتاة في الثانية عشرة من عمرها، بدت نابهة وواعية، تتابع ما يحدث بنظرات متفحصة واهتمامٍ واضح بكل كلمة تقال داخل الغرفة.

بدأ الطبيب في تجهيز مكان الجرح، وتم إعطاء الطفلة جرعة التخدير الموضعي، وبعد دقائق بدأ العمل بخياطة الجرح. ومع أولى الغرز، لم تشعر الطفلة بألم حقيقي من الإبرة، لكنها ما إن رأت إبرة الخياطة حتى انفجرت في البكاء من الخوف والتوتر.

يصف الطبيب الموقف قائلًا: “الطفلة كانت بتعيط، بس كطبيب عارف إنها مش حاسة بوجع بسبب البنج الموضعي… ده كان خوف وتوتر طبيعي لأي طفلة في سنها”.

شاهد: طبيبة مصرية تقود ثورة في علاج أورام الجهاز الهضمي وتُدرّب نخبة أطباء الولايات المتحدة.. من هي الدكتورة شيماء الخولي؟

في هذه اللحظة، دخلت طبيبة طوارئ على صوت بكاء الطفلة، متأثرة بصوتها ونبرتها، لتقول للطبيب: “She is in pain, you should stop to give analgesia”، “هي في ألم، لازم توقف وتديها مسكن.”

كانت الطبيبة – في بداية حياتها العملية – تستجيب بعفوية لقلبها قبل خبرتها، فمجرد سماع بكاء الطفلة أشعرها أن ما يحدث مؤلم ويجب إيقافه فورًا.

لكن الطبيب أوضح لها أن الطفلة تحت تأثير البنج الموضعي بالفعل، وأن ما تعانيه هو خوف نفسي لا ألم عضوي، وأن التوقف في منتصف الإجراء قد يطيل معاناة الطفلة بدلًا من إنهائه سريعًا.

ومع إصرار الطبيبة على إيقاف الخياطة، ردّ عليها الطبيب بنبرة حاسمة – باللغة الإنجليزية حتى لا تشعر الأسرة بالقلق:

“She is not your patient, don’t interrupt me please”

“دي مش عيانتِك، من فضلك متقاطعنيش.”

فاختارت الطبيبة مغادرة غرفة الخياطة، وهي متأثرة بمشهد الطفلة ودموعها.

الأب الذي لم يفهم الحوار بالإنجليزية، التفت إلى ابنته الكبرى يسألها بفضول: “في إيه؟ حصل إيه يا بنتي؟”

لترد الفتاة ذات الـ12 عامًا بسرعة وذكاء: “الدكتورة يا بابا كانت عايزة تديها مسكن، والدكتور قالها ملكيش دعوة دي مش عيانتك ومتقاطعنيش… فخرجِت.”

يقول الطبيب ممازحًا في روايته: “البنت بصّتلي بصة صفرا كده… حسّيت إني قدام مراقب جودة طالعلي من لجنة خفية!”

الموقف يكشف جانبًا إنسانيًا مهمًا؛ فالأطفال – حتى وإن بدوا صغارًا – يفهمون ويفككون ما يحدث حولهم، ويترجمون لغة الكبار بطريقتهم.

هذه الواقعة تطرح سؤالًا مهمًا: هل كل دموع طفل تعني أنه يتألم جسديًا؟

الإجابة الطبية: ليس بالضرورة.

في كثير من الأحيان داخل غرف الطوارئ:

  • يكون الطفل تحت تأثير مخدر موضعي كافٍ يمنع الألم.
  • ويكون البكاء ناتجًا عن:
    • رؤية الدم أو الأدوات الطبية
    • رهبة المكان
    • خوفه من كلمة “خياطة” أو “غُرَز”
    • أو توتر الأب والأم أنفسهم.

هنا، دور الطبيب أن يوازن بين:

  • التعاطف الإنساني مع خوف الطفل
  • والحسم الطبي لإنهاء الإجراء بسرعة وأمان، لأن الإطالة أو التكرار قد يزيد من توتره ومعاناته.

وفي المقابل، تكشف القصة عن خطورة أن يتخذ القرار فقط بناءً على البكاء دون تقييم طبي واضح؛ لأن الإفراط في إعطاء مسكنات أو مهدئات دون داعٍ – خاصة للأطفال – قد يحمل مخاطرة غير مبررة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى