د. أحمد مروان: الشم الوهمي … لماذا يشم البعض روائح كريهة لا وجود لها؟
كتبت ـ مروة نصر

تخيل أن تستيقظ كل صباح لتشم رائحة دخان أو عفن أو بلاستيك محترق، بينما لا أحد غيرك يشعر بها. قد يبدو الأمر غريبًا أو حتى خياليًا، لكنه حقيقي تمامًا، ويُعرف طبيًا باسم “الباروسميا” – اضطراب حاسة الشم الذي يجعل الإنسان يشم روائح مختلفة تمامًا عن الواقع، وغالبًا ما تكون كريهة أو مزعجة.
في السنوات الأخيرة، وبعد جائحة كوفيد-19، ازداد رصد هذه الظاهرة بين المرضى، ما دفع الأطباء إلى البحث الجاد في أسبابها وطرق علاجها.
🧑⚕️ رأي الطبيب:
يشرح د. أحمد مروان الجندي، استشاري الأنف والأذن والحنجرة، في حديثه لمنصة طب توداي، أن اضطرابات الشم لم تعد نادرة كما كنا نعتقد، وخاصة بعد انتشار فيروسات الجهاز التنفسي مثل كورونا، ويضيف:
“الباروسميا قد تكون عَرَضًا مزعجًا بشدة يؤثر على الشهية، والحالة النفسية، وحتى جودة الحياة اليومية، وقد تستمر شهورًا إن لم تُشخّص وتُعالج بطريقة علمية.”
🔹 ما هي الباروسميا؟
هي اضطراب في حاسة الشم يجعل المريض يفسّر الروائح بشكل غير طبيعي. فعلى سبيل المثال، قد يشم رائحة القهوة على أنها رائحة حريق، أو يشم رائحة الشامبو كرائحة مجاري.
أحيانًا تكون الرائحة ثابتة، وأحيانًا تتغير حسب المؤثر.
🔹 الفرق بينها وبين اضطرابات الشم الأخرى:
- الأنوسميا: فقدان الشم تمامًا
- الهايبرسميا: فرط حاسة الشم
- الباروسميا: تَغيُّر الرائحة الحقيقية إلى رائحة مختلفة وكريهة عادة
- الفرانتوزميا: شم رائحة غير موجودة إطلاقًا (وهم شمّي دائم)
🔹 الأسباب المحتملة:
- التعافي بعد عدوى فيروسية (خاصة كوفيد-19 أو الإنفلونزا)
- التهابات الأنف والجيوب الأنفية المزمنة
- إصابة في الرأس أو الدماغ
- أمراض عصبية مثل الشلل الرعاش أو ألزهايمر
- التعرض للمواد الكيميائية أو التدخين المزمن
- أحيانًا لا يُعرف السبب بدقة
🔹 لماذا تظهر الباروسميا بعد كوفيد-19؟
يوضح د. أحمد مروان الجندي أن فيروس كورونا يهاجم خلايا الأعصاب المسؤولة عن الشم، وأثناء التعافي، قد تُشفى الأعصاب بشكل جزئي أو غير دقيق، مما يؤدي إلى إرسال إشارات مشوشة للدماغ، وبالتالي تفسير خاطئ للروائح.
🔹 تأثيرها على الحياة اليومية:
- فقدان الشهية: لأن الطعام يُشتم برائحة كريهة
- الانزعاج الدائم من الروائح المحيطة
- تأثيرات نفسية مثل القلق والاكتئاب
- اضطراب النوم في حال استمرت الرائحة الوهمية لفترات طويلة
- الحرج الاجتماعي بسبب صعوبة شرح ما يشعر به المريض
🔹 التشخيص:
- التاريخ المرضي الدقيق
- اختبار الشم المعياري بأنواع مختلفة من الروائح
- منظار الأنف لفحص التجويف الأنفي والجيوب
- أشعة مقطعية أو رنين مغناطيسي إذا اشتبه الطبيب في مشكلة عصبية أو إصابة دماغية
🔹 خيارات العلاج:
أولًا: علاج السبب الرئيسي إن وُجد
- التهابات الأنف: بالمضادات الحيوية أو الكورتيزونات الموضعية
- انسدادات أو لحميات: بالجراحة
- حالات كوفيد أو ما بعده: علاج داعم وتحفيزي للأعصاب
ثانيًا: “تدريب الشم” (Smell Training)
- تقنية معتمدة تعتمد على استنشاق روائح أساسية (مثل الليمون، القرنفل، الورد، الكافور) مرتين يوميًا
- يُكرر ذلك لمدة 3–6 أشهر لتحفيز الأعصاب الشمية على التكيف الصحيح
- له نتائج مبشرة في 30–50٪ من الحالات
ثالثًا: أدوية مساعدة
- مضادات الأكسدة (مثل الزنك وفيتامين A)
- أحيانًا مضادات اكتئاب عند تدهور الحالة النفسية
- الكورتيزون الفموي في حالات محددة وتحت إشراف صارم
🔹 متى تتحسن الحالة؟
- قد تستمر من أسابيع إلى عدة شهور
- التحسن تدريجي وقد يتطلب الصبر
- استجابة المرضى تختلف حسب السبب، وشدة الخلل العصبي
🔹 نصيحة د. أحمد مروان الجندي عبر “طب توداي”:
“لا تتجاهل الباروسميا، ولا تظن أنها مجرد توهم. إنها خلل عصبي حقيقي، والتعامل المبكر معها يقلل من معاناة طويلة الأمد.”
🟢 الختام:
الشم نعمة لا نشعر بقيمتها إلا عندما تختل. وبينما نستهين بالرائحة، قد تتحوّل إلى مصدر إزعاج دائم أو عزلة نفسية. ومع التقدم العلمي، لم تعد الباروسميا حالة غامضة، بل يمكن فهمها، وعلاجها، والتعافي منها بإشراف طبي دقيق.
📌 ملاحظة ختامية:
جميع الحقوق محفوظة لمنصة طب توداي، المنصة الأهم والأكبر والأولى في مصر والمنطقة العربية.