هل يشفى مريض اضطراب الشخصية الحدّية؟ د. محمود عبد القادر يجيب
كتبت - ميار عماد

غم أن الصحة النفسية أصبحت محور نقاش عالمي، لا يزال اضطراب الشخصية الحدّية (Borderline Personality Disorder) أحد أكثر الاضطرابات النفسية غموضًا وسوء فهم. يتسبب هذا الاضطراب في تشويش حاد في العلاقات، والمشاعر، والصورة الذاتية. ووفقًا لما أوضحه د. محمود عبد القادر، استشاري الطب النفسي، لمنصة طب توداي، فإن الشخص المصاب به يعيش في صراع دائم بين حاجته إلى الحب وخوفه العميق من الهجر.
ما هو اضطراب الشخصية الحدّية؟
هو اضطراب نفسي يصيب نمط تفكير الإنسان وسلوكياته، ويؤثر على طريقة تعامله مع نفسه ومع الآخرين. يتميز هذا الاضطراب بنوبات من الانفعالات العنيفة، والعلاقات العاطفية غير المستقرة، وتذبذب في الهوية الذاتية.
يشرح د. محمود عبد القادر قائلًا:
“الشخصية الحدّية تعيش دائمًا على الحافة: حافة الحب، حافة الغضب، حافة الهجر، حافة الانهيار”.
متى يظهر هذا الاضطراب؟
يبدأ عادة في مرحلة المراهقة أو أوائل العشرينيات، لكنه قد لا يُشخص بشكل صحيح إلا بعد معاناة طويلة، خاصة في المجتمعات التي لا تعترف بسهولة بالاضطرابات النفسية.
السمات الأساسية لاضطراب الشخصية الحدّية
يرتكز تشخيص هذا الاضطراب على وجود خمس سمات أو أكثر من القائمة التالية، وفقًا للدليل التشخيصي والإحصائي للأمراض النفسية (DSM-5):
- خوف مفرط من الهجر، سواء كان حقيقيًا أو متخيّلًا.
- علاقات شخصية غير مستقرة تتأرجح بين المثالية التامة والاحتقار التام.
- اضطراب في الهوية أو الإحساس بالذات.
- سلوكيات اندفاعية وخطيرة (كالإسراف في الإنفاق أو الإدمان أو القيادة المتهورة).
- محاولات متكررة للانتحار أو سلوكيات إيذاء النفس.
- تقلبات مزاجية حادة تدوم ساعات فقط.
- شعور دائم بالفراغ.
- غضب شديد وغير متناسب مع الموقف.
- أفكار جنون الارتياب أو انفصال عن الواقع تحت الضغط الشديد.
كيف تؤثر الشخصية الحدّية على العلاقات؟
يشعر الشخص المصاب بأنه غير مستقر داخليًا، لذا يبحث عن الاستقرار في الآخر بشكل مرضي. يبدأ العلاقة بعاطفة جارفة، ثم تتحول في لحظة إلى رفض وعدوان. يقول د. محمود عبد القادر:
“يعيش الشخص الحدّي في صراع: يخاف أن يقترب كي لا يُهجر، ويخاف أن يبتعد فيفقد من يحب. لذا فإن علاقاته غالبًا ما تكون عاصفة ومؤلمة”.
الفرق بين الشخصية الحدّية والاكتئاب أو اضطراب المزاج
رغم وجود تشابه في بعض الأعراض، مثل تقلب المزاج أو السلوك الانتحاري، إلا أن اضطراب الشخصية الحدّية يُعد اضطرابًا في نمط الشخصية، لا في المزاج فقط. المريض الحدّي يتأثر بمواقف بسيطة بطريقة درامية ومؤلمة، بينما في الاكتئاب يكون التغيير المزاجي أكثر استمرارية وأقل اندفاعًا.
الأسباب المحتملة للإصابة
لا يوجد سبب واحد مؤكد، لكن الدراسات تشير إلى تداخل عدة عوامل:
- الوراثة: وجود تاريخ عائلي للاضطرابات النفسية.
- التجارب الطفولية الصادمة: مثل الإهمال العاطفي، أو الاعتداء الجسدي أو الجنسي.
- خلل في تركيبة الدماغ: خاصة في مناطق تنظيم المشاعر واتخاذ القرار.
- البيئة الاجتماعية السلبية: كغياب الدعم الأسري أو التنشئة القاسية.
هل هناك أمل في العلاج؟
يؤكد د. محمود عبد القادر أن:
“اضطراب الشخصية الحدّية ليس حكمًا بالإعدام النفسي. بالعلاج المناسب، يمكن للمريض أن يتعافى بنسبة كبيرة، ويتحول إلى شخص أكثر وعيًا واستقرارًا”.
وتشمل خيارات العلاج:
1. العلاج النفسي:
- العلاج الجدلي السلوكي (DBT): الأكثر فاعلية، ويركز على التوازن بين التقبل والتغيير.
- العلاج المعرفي السلوكي (CBT): يساعد في تعديل الأفكار السلبية.
- العلاج النفسي الديناميكي: يساعد على فهم الجذور اللاواعية للسلوك.
2. الأدوية:
لا يوجد دواء مخصص للاضطراب نفسه، لكن يمكن استخدام:
- مضادات الاكتئاب لعلاج القلق والاكتئاب المصاحب.
- مضادات الذهان للحد من الأعراض الانفصالية أو العدوان.
- مثبتات المزاج.
3. الدعم الأسري والعلاجي:
دور العائلة مهم في توفير بيئة آمنة وداعمة تساعد على التعافي.
لماذا يُساء فهم المصابين بهذا الاضطراب؟
غالبًا ما يُتهم المصاب بالمبالغة أو التلاعب أو دراما زائدة. لكن الحقيقة أن الشخص الحدّي لا يتصنع مشاعره، بل يشعر بها بعمق مؤلم. وتوضح منصة طب توداي أن غياب الوعي المجتمعي بهذا الاضطراب يؤدي إلى تأخر في التشخيص وتفاقم الأعراض.
هل يشفى مريض اضطراب الشخصية الحدّية؟
الشفاء الكامل قد يكون صعبًا، لكن التحسن الكبير ممكن جدًا، خاصة عند الالتزام بالعلاج ومتابعة الحالة بانتظام. كثير من المرضى يحققون تحسنًا مذهلًا في العلاقات والاستقرار النفسي بعد سنوات من العلاج.
نصائح “طب توداي” للتعامل مع مريض الشخصية الحدّية:
- لا تأخذ ردود فعله بشكل شخصي.
- وفر له الأمان والاستقرار العاطفي.
- شجعه على مواصلة العلاج النفسي.
- لا تُشجعه على السلوكيات الاندفاعية أو الانسحابية.
- شارك في جلسات التوعية الأسرية إن وُجدت.
في الختام
اضطراب الشخصية الحدّية هو اضطراب عميق ومؤلم، لكنه ليس بلا أمل. التوعية، والدعم، والعلاج المستمر، قادرون على تغيير مجرى حياة المريض. ولا بد من كسر وصمة المرض النفسي وتوفير بيئة تفهم الألم بدلًا من الحكم عليه.
كما تنبّه منصة طب توداي إلى ضرورة تدريب الأطباء والمجتمع على فهم هذه الاضطرابات المعقّدة، حتى لا يضيع المريض في زوايا الصمت أو الاتهام.
حقوق النشر محفوظة لمنصة طب توداي
منصة طب توداي هي المنصة الأهم والأكبر والأولى في مصر والمنطقة العربية