مبتعرفش تبلع لمدة 6 شهور والسبب مرض جلدي نادر !

كتبت/ مي السايح

شهدت إحدى العيادات المتخصصة في الأمراض المناعية حالة طبية لافتة، كشفت عن أهمية الفحص الإكلينيكي الدقيق والتركيز على التفاصيل الظاهرية في تشخيص الأمراض المعقدة، وذلك بعد رحلة امتدت لنحو ستة أشهر خضعت خلالها مريضة شابة لسلسلة طويلة من الفحوص دون الوصول إلى سبب واضح لمعاناتها.

بدأت الواقعة عندما حضرت سيدة في بداية الثلاثينات تشكو من صعوبة متزايدة في البلع، ما دفعها إلى التردد على عدد من الأطباء في تخصصات الباطنة والجهاز الهضمي، وإجراء مناظير للمريء وأشعة صبغية (باريوم) وتحاليل متعددة، وجميعها جاءت بنتائج تفيد بعدم وجود مشكلة عضوية واضحة في المريء أو الجهاز الهضمي العلوي.

ومع تكرار النتائج الطبيعية، اتجه بعض الأطباء إلى تفسير الحالة على أنها اضطراب نفسي أو وظيفي مرتبط بالقلق أو التوتر، لتبدأ المريضة رحلة أخرى مع أطباء الطب النفسي وتناول أدوية مهدئة، دون تحسن يُذكر في أعراض صعوبة البلع التي استمرت في التفاقم.

فحص إكلينيكي يعيد مسار التشخيص

عند عرض الحالة لاحقًا على أحد الأطباء المتخصصين في الأمراض المناعية، تم إعادة تقييم الوضع الطبي من البداية، مع مراجعة دقيقة للتاريخ المرضي والفحوص السابقة. وخلال الفحص الإكلينيكي، لفتت انتباه الطبيب بعض العلامات الجلدية غير المعتادة، تمثلت في شد بسيط بالجلد، ودرجة من اللمعان وازدياد في سُمك بعض المناطق الجلدية.

استدعت هذه العلامات توجيه أسئلة متعلقة بأعراض أخرى مصاحبة، مثل برودة الأطراف، إحساس بالتخشب في الأصابع، وشعور المريضة بأن الملابس باتت أكثر ضيقًا رغم ثبات الوزن. جاءت الإجابات متسقة مع صورة مرض مناعي جهازي أكثر منه مشكلة موضعية في الجهاز الهضمي.

بناءً على ذلك، تم الاشتباه في إصابة المريضة بمرض “تصلب الجلد” (Scleroderma)، وهو من أمراض المناعة الذاتية التي تصيب النسيج الضام وتؤدي إلى زيادة سُمك الجلد وفقدان مرونته، مع احتمال تأثر الأوعية الدموية وبعض الأعضاء الداخلية، ومنها المريء.

مرض مناعي يفسر صعوبة البلع رغم المناظير السليمة

أُجريت تحاليل مناعية وفحوص متممة، جاءت نتائجها مؤكدة لاشتباه الطبيب في وجود مرض تصلب الجلد بتأثير على المريء. وتوضح الأدبيات الطبية أن هذا المرض لا يُشترط أن يُحدث تغيرات واضحة في الشكل التشريحي للمريء يمكن رؤيتها بالمنظار، إذ يتركز تأثيره غالبًا على وظيفة حركة المريء، فيقلّل من كفاءتها ويُضعف الموجات العضلية المسؤولة عن دفع الطعام نحو المعدة.

وبذلك، يُصبح تفسير الحالة أن المريء يبدو طبيعيًا من حيث الشكل في المناظير والأشعات، لكنه يعاني اضطرابًا وظيفيًا واضحًا نتيجة التصلب والشد في النسيج الضام، وهو ما ينعكس على المريضة في صورة صعوبة بلع مستمرة دون دليل تقليدي على المرض في الفحوص الروتينية المعتادة.

شاهد أيًضا: اليوم العالمي للإكزيما: مرض جلدي مزمن يهدد الأطفال والكبار على حد سواء

تشير هذه الحالة إلى عدد من النقاط المحورية في الممارسة الطبية اليومية، من بينها:

  • أهمية الفحص الإكلينيكي المباشر وعدم الاكتفاء بنتائج الأشعات والتحاليل.
  • ضرورة النظر للجسم كوحدة متكاملة، وربط الأعراض الهضمية بالجلدية والوعائية بدلاً من التعامل معها كجزر منفصلة.
  • الحذر من الإسراع في نَسْب الأعراض إلى أسباب نفسية لمجرد أن الفحوص الأولى جاءت طبيعية.
  • الوعي بأن بعض الأمراض المناعية، مثل تصلب الجلد، قد تبدأ بأعراض غير محددة كصعوبة البلع، أو شد الجلد، أو برودة الأطراف، وتتطلب قدرًا من الخبرة وربط المعطيات للوصول إلى التشخيص.

تسهم مثل هذه الحالات في التأكيد على أن التكنولوجيا الطبية، رغم أهميتها، لا تغني عن دور الطبيب في الإصغاء للمرضى والتدقيق في العلامات السريرية الظاهرة. فالتفاصيل الصغيرة على سطح الجلد، كما أظهرت هذه الواقعة، قد تكون المفتاح لفهم مرض جهازي معقد ظلّ لفترة يُنظر إليه على أنه مجرد عرض نفسي أو اضطراب عابر في البلع.

وتسلّط هذه الحالة الضوء على ضرورة تعزيز الوعي بالأمراض المناعية ذات المظاهر المتعددة، وتشجيع النهج الشمولي في تقييم المرضى، بما يساهم في اختصار زمن التشخيص، وتقليل معاناة المرضى، وتوجيههم مبكرًا إلى المسار العلاجي الصحيح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى