ليس حكرا على الشباب..هل يعيد الزواج لدى كبار السن التوازن النفسي ويكسر العزلة؟

كتبت - منى ياسر

في مجتمعاتنا، كثيرًا ما يُنظر إلى الزواج في سن متأخرة بعين الشك أو الاستغراب، وكأن العلاقة العاطفية والنفسية الصحية يجب أن تنتهي مع التقدم في العمر. لكن الواقع مختلف تمامًا. فالزواج عند كبار السن، سواء بعد الترمل أو الطلاق أو حتى كخطوة أولى، ليس مجرد تجربة اجتماعية، بل مصدر مهم للدعم النفسي والاستقرار العاطفي.

في هذا التقرير، تسلط منصة طب توداي الضوء على الفوائد النفسية العميقة للزواج في مراحل العمر المتقدمة، وتأثيره الإيجابي على الصحة العامة وجودة الحياة، مدعومًا بدراسات علمية وتجارب واقعية.


الزواج ليس حكرًا على الشباب

قبل الحديث عن الفوائد النفسية، لا بد من تفكيك الفكرة الشائعة بأن “الزواج فقط للشباب”. الحقيقة أن الإنسان، في أي مرحلة عمرية، يحتاج إلى الأمان العاطفي والدعم المعنوي والشعور بالمشاركة.

كبار السن – خاصة بعد الخروج من سوق العمل أو فقدان شريك العمر – يكونون عرضة للوحدة، والاكتئاب، والانسحاب الاجتماعي. وهنا يظهر الزواج كوسيلة قوية لمقاومة هذا الانحدار النفسي.


فوائد الزواج النفسية بعد الستين

1. كسر العزلة الاجتماعية

من أكثر المشكلات التي يواجهها كبار السن هي العزلة الاجتماعية، والتي تؤدي إلى شعور دائم بالوحدة وفقدان القيمة. لكن الزواج يعيد للشخص إحساس الانتماء والمشاركة اليومية، ويخلق حياة مشتركة تبعده عن دوائر الاكتئاب.

2. تحسين الحالة المزاجية

الحوار اليومي، الضحك، العناية المتبادلة، كلها عناصر ترفع من مستوى هرمونات السعادة مثل “السيروتونين” و”الأوكسيتوسين”، ما يقلل التوتر ويُحسن المزاج بشكل ملحوظ.

أشارت دراسات منشورة في المجلات الطبية النفسية إلى أن الزواج في عمر متقدم يقلل خطر الإصابة بالاكتئاب بنسبة 30% مقارنة بمن يعيشون بمفردهم.


3. تقوية الشعور بالذات

يمنح الزواج كبار السن إحساسًا بأنهم ما زالوا فاعلين ومهمين في حياة شخص آخر. هذا الإحساس يقوي ثقتهم بأنفسهم، ويمنحهم طاقة إيجابية للاستمرار، ويبعدهم عن مشاعر الهزيمة أو الضعف.


4. الدعم وقت الأزمات

الحياة في سن متقدمة لا تخلو من صعوبات صحية أو نفسية، ووجود شريك حياة في هذه المرحلة يعني وجود شخص داعم عند الحاجة، وهو ما يقلل من الإحساس بالخوف أو العجز أمام المرض.

الزواج لا يمنع الشيخوخة، لكنه يجعلها أكثر احتمالًا بوجود شخص يشاطرها معك.


5. تنظيم الروتين اليومي وتحسين السلوك

وجود شريك حياة في نفس البيت يخلق نظامًا يوميًا يشمل مواعيد للطعام، الراحة، النشاط، وهو ما يعيد لكبار السن إحساس التنظيم والسيطرة على الحياة، كما يشجعهم على العناية بالنفس والمظهر.


6. دعم الصحة النفسية وتقليل القلق

القلق بشأن المستقبل، الخوف من المرض أو الوحدة، هي مشاعر شائعة بين كبار السن. لكن الزواج يُحدث فرقًا كبيرًا هنا. وجود شخص دائم في الحياة يعطي طمأنينة واستقرار نفسي، مما يقلل من نوبات القلق والاضطرابات النفسية المرتبطة بالعمر.


7. حياة جنسية صحية تعزز النفسية

الزواج في الكِبَر لا يعني انطفاء الرغبة الجنسية، بل على العكس، هو فرصة لممارسة العلاقة الحميمة بشكل آمن ومريح. العلاقة الجنسية في هذه المرحلة تعزز من الشعور بالقرب العاطفي والانتماء، وتُعيد ثقة الرجل والمرأة بنفسيهما.

وتشير تقارير طبية إلى أن الحياة الزوجية المنتظمة حتى في عمر الستين والسبعين تُحسن من أداء القلب، وتدعم مناعة الجسم، وتقلل من الشعور بالألم.


العوائق النفسية التي تمنع كبار السن من الزواج

رغم كل ما سبق من فوائد، إلا أن كثيرين يترددون في اتخاذ خطوة الزواج بعد سن الستين. من أبرز هذه العوائق:

  • الخوف من نظرة المجتمع

  • القلق من مسؤوليات جديدة

  • الخوف من فقدان الاستقلال

  • تجربة سابقة مؤلمة أو فشل زواج سابق

لكن المتخصصين يؤكدون أن هذه العوائق يمكن تجاوزها بالحوار، والتخطيط، والاختيار المناسب للشريك، وبفهم أن الزواج ليس عبئًا، بل علاقة دعم متبادل في المقام الأول.


ماذا تقول الدراسات العلمية؟

وفقًا لدراسة أجرتها جامعة هارفارد، فإن الأشخاص المتزوجين في عمر متقدم لديهم معدلات أعلى في الرضا عن الحياة بنسبة 40%، ويعيشون أطول بمعدل خمس سنوات مقارنة بالأشخاص غير المتزوجين.

دراسة أخرى نُشرت في مجلة الطب النفسي الاجتماعي، أكدت أن الزواج بعد الخمسين يُقلل من فرص الإصابة بالخرف بنسبة تصل إلى 25%، وذلك بسبب التواصل اليومي والتفاعل الاجتماعي المستمر.


كيف تنجح علاقة زوجية في هذا العمر؟

  • الاحترام المتبادل:
    كل طرف لديه خبرات وحياة سابقة، والتقدير هو أساس الاستقرار.

  • الصراحة حول التوقعات:
    لا بد من الحديث عن الرغبات، الحدود، والمسؤوليات.

  • التفاهم في الأمور المالية:
    يجب الاتفاق على كل ما يتعلق بالمعيشة والنفقات مسبقًا.

  • التواصل المستمر:
    بالحديث، والمشاركة، والاهتمام اليومي.


نصيحة “طب توداي”

الزواج ليس مرحلة عمرية، بل احتياج إنساني متجدد. لا تجعل تقدم السن عائقًا أمام سعادتك النفسية والعاطفية.
اختر الشريك المناسب، وابدأ فصلًا جديدًا من الحياة أكثر نضجًا ووعيًا وراحة.

فالصحة النفسية لا تحتاج إلى دواء فقط، بل تحتاج إلى أمان، واحتواء، وشعور بالانتماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى