قبل ما تحقن الإنسولين… جهاز قياس السكر ممكن ينقذ حياتك
كتبت/ مي السايح

لا تزال حوادث الوفاة الناتجة عن سوء التعامل مع جرعات الإنسولين تتكرر في البيوت والمستشفيات، ليس بسبب خطأ في تركيب الدواء أو جودته، بل نتيجة غياب الوعي بأبسط قاعدة في علاج السكري: لا تُحقَن جرعة إنسولين قبل قياس سكر الدم.
خلال متابعة مرضى السكري، يروي أحد الأطباء حوارًا دالًّا مع مريض يتناول الإنسولين بانتظام. سأله الطبيب إن كان يمتلك جهازًا لقياس سكر الدم في المنزل، فأجاب بثقة: «نعم يا دكتور، وطبعًا تعرف لماذا اشتريته؟»
تصوّر الطبيب أن جهاز القياس اقتُني لضبط الجرعات ومتابعة القراءات اليومية، لكن المريض قدّم تفسيرًا مختلفًا ومؤلمًا.
أخ فقد حياته بسبب حقنة إنسولين في لحظة ارتباك
روى المريض أن شقيقه الأكبر، وهو مريض سكري كذلك، عاد من الحقل مرهقًا، يتصبب عرقًا، ويعاني رعشة في الأطراف، وزغللة في العينين. لم يكن في البيت جهاز لقياس السكر، ففسّر الرجل حالته على أنها «ارتفاع شديد» في سكر الدم، وسارع إلى حقن نفسه بجرعة إنسولين، لم تمرّ دقائق حتى دخل في غيبوبة هبوط سكر حاد، وفارق الحياة.
يقول المريض إنه اشترى جهاز قياس السكر بعد هذه الواقعة، لا ليُدير سكري بشكل علمي، بل خوفًا من أن يكرر نفس الخطأ القاتل: «عندما أشعر بتعب، أقيس أولًا لأعرف إن كان السكر مرتفعًا أم منخفضًا قبل أن أفكر في الإنسولين».
هذه القصة، على قسوتها، ليست سوى نموذج واحد لما قد يحدث حين تُستبدل القراءة العلمية بالتخمين.
زوج ظنّ أنه يُنقذ زوجته… فزاد حالتها سوءًا حتى الموت
قصة أخرى لا تقل مأساوية تسجلها أقسام الاستقبال والطوارئ.
في إحدى نوبات العمل الليلية، استُدعي فريق العناية المركزة إلى قسم الاستقبال للتعامل مع حالة توقّف في عضلة القلب وصلت بالفعل في حالة حرجة. حاول الأطباء إجراء الإنعاش القلبي الرئوي، لكن الفحص أوضح أن المريضة وصلت في حكم المتوفاة، فاستُكملت محاولات الإنعاش احترامًا لحالة الزوج المنهار، ثم أُعلن الوفاة رسميًا.
انفجر الزوج في موجة غضب واتهامات للأطباء، فبادره أحدهم بالسؤال عمّا حدث قبل الوصول إلى المستشفى.
أجاب الرجل بانفعال: «كانت بتعرق جامد، وترتعش، وتقول إن ضربات قلبها سريعة، ومصدّعة، وعينها مزغللة…»
سأله الطبيب:
«هل قست لها السكر؟»
فردّ الزوج:
«لا، ما عنديش جهاز… لكن قلت أكيد سكرها عالي.»
ثم اعترف:
«أحضرت قلم الإنسولين الخاص بها وحقنتها 20 وحدة دفعة واحدة».
كانت السيدة في الأغلب في نوبة هبوط سكر حاد، فحوّلها الزوج – عن غير قصد – بحقنة الإنسولين إلى غيبوبة هبوط قاتلة لم تنجُ منها.
القضية حُرّرت رسميًا وأُحيلت لجهات التحقيق، لكن ما جرى في غرفة الطوارئ حمَل رسالة طبية بالغة الوضوح:
الإنسولين لا يُستخدم أبدًا بناءً على الظن، ولا يُحقن قبل قياس سكر الدم في أي حال من الأحوال.
قياس سكر الدم: خطوة صغيرة قد تنقذ حياة كاملة
يؤكد الأطباء المختصون أن وجود جهاز قياس سكر الدم في منزل مريض السكري، خصوصًا من يعتمد على الإنسولين، ليس ترفًا ولا «اختيارًا»، بل ضرورة علاجية وحياتية.
ففي غياب القياس، يقع المريض وأسرته في فخّ خطير:
- الأعراض مثل العرق، والرجفة، والزغللة، والخفقان، والصداع، قد تحدث في هبوط السكر وارتفاعه على السواء.
- الاعتماد على «الإحساس» أو مجرد الخبرة الشخصية يؤدي إلى قرارات قد تفضي إلى غيبوبة أو وفاة.
- الإنسولين علاج فعّال في حالات ارتفاع السكر، لكنه يصبح «عاملًا مميتًا» إذا حُقن لمريض يعاني هبوطًا حادًا، حتى لو كانت نوايا من حوله إنقاذه.
الفارق بين هبوط السكر وارتفاعه: لماذا الالتباس خطير؟
رغم أن الأعراض قد تتقاطع، فإن هبوط سكر الدم يُعدّ حالة أشدّ خطورة من حيث السرعة والتأثير على الوعي والدماغ.
من أبرز أعراض هبوط السكر التي ينبغي لكل مريض وأسرة معرفتها:
- عرق غزير وبارد
- رعشة في الأطراف
- زغللة في العينين
- تسارع ضربات القلب وإحساس «رفرفة» في الصدر
- شحوب في الوجه وبهتان الشفاه
- صداع متزايد
- شعور مفاجئ بالجوع الشديد
- تغيّر حاد في المزاج (عصبية غير مبررة أو خمول شديد)
- ضعف في التركيز، وتيهان أو اضطراب في الإدراك
في هذه الحالات:
- يُمنع تمامًا حقن أي جرعة إنسولين قبل القياس.
- يجب قياس السكر فورًا، وإذا ثبت أنه منخفض، تُقدَّم للمريض سكريات سريعة الامتصاص وفق إرشادات الطبيب (عصير، محلول سكري، قطع سكر… إلخ).
أما أعراض ارتفاع السكر فقد تشمل: عطشًا شديدًا، وكثرة التبول، وجفافًا، وإرهاقًا عامًا، وربما رائحة مميزة للأسيتون من الفم في الحالات المتقدمة. وحتى في هذه الحالة، لا تُعدّل جرعة الإنسولين إلا وفق خطة علاجية واضحة وبناءً على قياسات محددة، لا تقديرات عشوائية.
التوعية جزء من العلاج… لا «إضافة اختيارية»
تكشف الوقائع السابقة عن ثغرة واضحة في التعامل مع مرض السكري:
- مرضى كثيرون يحصلون على أقلام إنسولين دون تدريب كافٍ على استخدام أجهزة القياس، أو على التفرقة بين هبوط السكر وارتفاعه.
- بعض الأسر لا تملك جهاز قياس من الأساس، رغم أن حياة المريض قد تتوقف عليه.
- الإرشاد الشفهي في العيادة يُختصر أحيانًا بسبب ضغط الوقت، رغم أن دقائق معدودة من الشرح قد تمنع مأساة كاملة.
يقول الأطباء إن التوعية الطبية ليست رفاهية مكمِّلة للعلاج، بل ركن أساسي منه، خصوصًا في أمراض مزمنة كالسكري، يعتمد نجاحها على مشاركة المريض وأسرته في المتابعة اليومية واتخاذ القرار اللحظي.
رسالة إلى مرضى السكري وأسرهم
- اقتناء جهاز قياس سكر الدم في المنزل ضرورة، لا خيارًا.
- يجب تعلّم طريقة استخدامه جيدًا، وتسجيل القراءات حسب تعليمات الطبيب.
- لا تُحقَن أي جرعة إنسولين عند الشعور بتعب أو دوخة أو تعرّق أو زغللة قبل القياس.
- تعرّفوا إلى أعراض هبوط السكر وارتفاعه، ودوّنوا هذه الأعراض في ورقة ظاهرة في المنزل.
- لا تعتمدوا على «التجربة السابقة» أو خبرة قريب أو جار؛ فكل حالة تختلف عن الأخرى، والخطأ في هذه المساحة قد يكون ثمنه الحياة
شاهد أيضًا: دواء “فينيرينون” يحقق انجازًا في حماية الكلى لمرضى السكري من النوع الأول




