عندما يرتدي الحزن قناع النشاط والابتسامة ..د. عمرو الشناوي:كيف تميّز بين الحزن العابر والاكتئاب المقنّع؟

كتبت منى عبد المنعم

في وقتٍ باتت فيه الصحة النفسية محط أنظار الجميع، يظهر نوع خفي من الاكتئاب يُسمى “الاكتئاب المقنّع”، يتسلل في صمت، ويخدع حتى أقرب الناس للمصاب به. فلا دموع، ولا عزلة واضحة، بل على العكس: ضحك مبالغ فيه، وانشغال دائم، وإفراط في أداء المهام. لكن الحقيقة النفسية تحت السطح مختلفة تمامًا.

وبحسب ما أوضح د. عمرو الشناوي، استشاري الطب النفسي، لمنصة “طب توداي”، فإن هذا النوع من الاكتئاب يُعد من أكثر الحالات صعوبة في التشخيص، لأنه لا يتبع النمط التقليدي المعروف عن الاكتئاب، ما يؤدي إلى إهماله لفترات طويلة، وقد يتفاقم بصمت.


ما هو الاكتئاب المقنّع؟

الاكتئاب المقنّع أو “Masked Depression” هو حالة نفسية يخفي فيها الشخص أعراض الاكتئاب الحقيقية خلف سلوكيات ظاهرها طبيعي أو حتى مفرط في الإيجابية. يعاني المريض داخليًا من حزن عميق، وفقدان المعنى، وشعور بالفراغ، لكنه لا يُظهر ذلك.

وغالبًا ما يُستبدل التعبير عن الألم النفسي بأعراض جسدية، مثل:

  • الصداع المزمن
  • اضطرابات الجهاز الهضمي
  • آلام الظهر والرقبة
  • مشاكل النوم
  • تغيرات الشهية

وقد يظهر المريض في قمة نشاطه الاجتماعي أو الوظيفي، ما يجعل من حوله لا يلاحظون معاناته الحقيقية.


لماذا يُخفي البعض اكتئابهم؟

يُشير د. عمرو الشناوي إلى أن هناك عدة أسباب تدفع البعض لإخفاء اكتئابهم، منها:

  • الوصمة الاجتماعية: لا يزال الحديث عن الأمراض النفسية محاطًا بخوف من الرفض أو الاتهام بالضعف.
  • النشأة الصارمة: من تربّوا في بيئات لا تعترف بالحزن أو تُجبر الطفل على “التحمل”، يميلون إلى كبت مشاعرهم.
  • المهن التنافسية: مثل الطب، الإعلام، المحاماة، التي تتطلب دائمًا صورة “الناجح” و”القوي”، ما يدفع البعض لإخفاء تدهورهم النفسي.
  • الاعتمادية الأسرية: عندما يكون الشخص هو “الدعامة” لعائلته، يشعر بالذنب إذا أظهر احتياجه للدعم.

كيف نميّز بين الحزن العابر والاكتئاب المقنّع؟

لا بد من مراقبة الاستمرارية والعمق. فالحزن الطبيعي يزول مع الوقت أو المساندة، أما الاكتئاب المقنّع فقد:

  • يستمر لأكثر من أسبوعين دون تحسن
  • يصاحبه انعدام للمتعة حتى في الأشياء المحببة
  • يظهر من خلال التهيج أو الانفجار الغاضب غير المبرر
  • يترافق مع اضطرابات جسدية متكررة دون سبب عضوي واضح
  • يؤدي إلى العزلة رغم الانشغال الخارجي

أبرز أشكال “القناع” في هذا النوع من الاكتئاب

  1. قناع الإنجاز المفرط: الغرق في العمل أو الدراسة بشكل قهري، كوسيلة للهروب من الداخل.
  2. قناع الفكاهة الزائدة: الشخص “النكتجي” طوال الوقت، يخفي حزنه وراء الضحك.
  3. قناع العناية بالآخرين: يقدم المساعدة للجميع لكنه لا يسأل عن نفسه.
  4. قناع الاستقلالية المطلقة: يرفض الدعم أو الحديث عن مشاكله بحجة “أنا تمام”.

المخاطر المحتملة إذا تُرك دون علاج

  • الإصابة بنوبات قلق حادة أو نوبات هلع
  • تطور الاضطراب إلى اكتئاب جسيم مع أفكار انتحارية
  • مشاكل في العلاقات الشخصية بسبب الانفجار العاطفي المفاجئ
  • إرهاق جسدي شديد نتيجة الضغط النفسي غير المعبر عنه

طرق التشخيص والعلاج

يشدد د. عمرو الشناوي على أهمية الشك الذكي من الأطباء عند متابعة حالات تعاني من آلام جسدية مزمنة دون تفسير طبي واضح. وقد يتطلب الأمر:

  • تقييم نفسي شامل
  • مقابلات عميقة لفهم أنماط التفكير والسلوك
  • استبيانات تشخيصية مثل: مقياس بيك للاكتئاب

أما العلاج فيعتمد على:

  • العلاج المعرفي السلوكي (CBT) لتغيير أنماط التفكير السلبية
  • العلاج الدوائي في حالات الاكتئاب المتوسط إلى الشديد
  • جلسات التعبير العاطفي ومجموعات الدعم النفسي
  • التدريب على التعبير عن الاحتياج والمشاعر دون خوف

كيف ندعم المصاب بالاكتئاب المقنّع؟

  • لا تكتفِ بظاهر الشخص، اسأله دومًا: “إنت عامل كده ليه بجد؟”
  • تجنب إطلاق الأحكام أو السخرية من شكواه
  • قدّم مساحات آمنة للتعبير دون محاولة “إصلاحه”
  • اقترح عليه زيارة متخصص دون ضغط
  • شاركه تجارب شخصية لتشجعه على التحدث

في الختام:

الاكتئاب لا يرتدي دائمًا السواد، ولا يسير منكّس الرأس. أحيانًا يكون أنيقًا، ضاحكًا، نشيطًا… لكنه منهك من الداخل. لا تترك من تحبهم يغرقون في صمت، فقط لأنهم يبتسمون.

جميع الحقوق محفوظة لمنصة طب توداي.
منصة طب توداي هي المنصة الأهم والأكبر والأولى في مصر والمنطقة العربية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى