“ضحكة ما وراها وجع: اكتئاب ما بعد الولادة بين الصمت والعلاج!”
كتبت - سالي صلاح

في وقت يفترض أن يكون من أسعد لحظات حياة المرأة، وبعد شهور من الترقب والانتظار، تفاجأ الكثير من الأمهات بمشاعر غريبة، متضاربة، ومؤلمة… قد تبكي دون سبب، تشعر بالحزن، الذنب، والوحدة رغم وجود طفلها بين يديها. هذا ليس مجرد “مزاج سيء”، بل قد يكون اكتئاب ما بعد الولادة.
ما هو اكتئاب ما بعد الولادة؟
اكتئاب ما بعد الولادة (Postpartum Depression) هو اضطراب نفسي يصيب المرأة بعد الولادة، ويختلف تمامًا عن “الاضطراب المزاجي المؤقت” أو “كآبة النفاس” التي تصيب حوالي 80% من الأمهات لفترة قصيرة.
الاكتئاب الحقيقي يستمر لأكثر من أسبوعين، ويؤثر على قدرة الأم على رعاية طفلها ونفسها، وأحيانًا على علاقتها بمن حولها.
أسباب اكتئاب ما بعد الولادة
الأسباب ليست واحدة للجميع، لكن هناك عوامل مشتركة قد تزيد من احتمالية الإصابة:
- التغيرات الهرمونية: انخفاض مفاجئ في مستويات الإستروجين والبروجستيرون بعد الولادة.
- الضغط النفسي: مسؤوليات الأمومة، مشاكل في العلاقة الزوجية، قلة النوم.
- التاريخ النفسي: إذا كانت الأم قد عانت من الاكتئاب سابقًا.
- الوحدة أو غياب الدعم: خصوصًا عند غياب دعم الأهل أو الزوج.
الأعراض التي لا يجب تجاهلها
- حزن مستمر أو بكاء بدون سبب واضح.
- فقدان المتعة بأي شيء، حتى بالأشياء التي كانت تفرحها سابقًا.
- الشعور بالذنب أو أنها “أم فاشلة”.
- صعوبة في رعاية الطفل أو الرغبة في الابتعاد عنه.
- تغيرات في الشهية أو النوم (أكثر من اللازم أو أقل).
- أفكار سوداوية أو انتحارية في الحالات الشديدة.
الفرق بين “كآبة النفاس” واكتئاب ما بعد الولادة
البند | كآبة النفاس | اكتئاب ما بعد الولادة |
---|---|---|
المدة | من 3 لـ 10 أيام | أسابيع أو شهور بعد الولادة |
الأعراض | تقلب مزاجي خفيف، بكاء متقطع | حزن مستمر، فقدان طاقة، تفكير سلبي |
الخطورة | بسيطة وتختفي من تلقاء نفسها | تتطلب تدخل وعلاج نفسي وطبي |
تجارب واقعية من الوطن العربي
في السعودية، تقول “أم نورة”:
“كنت أشعر أني بلا روح، كل من حولي سعيد، إلا أنا. بكيت أيامًا طويلة، وكرهت حتى صوت بكاء طفلتي.”
أما “هبة” من مصر، فتقول:
“كنت ألوم نفسي على كل شيء. تأنيب الضمير كان قاتل. مكنتش بقول لحد لأني كنت خايفة الناس يقولوا عليّا مجنونة.”
تأثير الاكتئاب على الطفل
الدراسات أثبتت أن اكتئاب الأم يؤثر بشكل مباشر على الطفل، خصوصًا من حيث:
- التطور العاطفي: الطفل يشعر بالتوتر أو الإهمال.
- اللغة والتعلم: تأخر في النمو اللغوي والمعرفي.
- السلوك: مشاكل سلوكية مستقبلية.
دور الزوج والعائلة
الزوج له دور محوري، ويكون خط الدفاع الأول:
- تفهم الحالة: لا يعتبرها “دلع” أو “مبالغة”.
- الدعم النفسي والمعنوي: كلمات تشجيع واحتواء.
- المساعدة العملية: يشاركها في المهام اليومية والاعتناء بالطفل.
- المرافقة للعلاج إن تطلب الأمر.
طرق العلاج المتاحة
- العلاج النفسي: جلسات مع مختص نفسي (خصوصًا العلاج السلوكي المعرفي).
- الأدوية: مضادات الاكتئاب، توصف من قبل طبيب نفسي.
- الدعم المجتمعي: مجموعات دعم أمهات، الجمعيات النسائية.
- التغذية والنوم: تحسين جودة النوم وتناول أطعمة غنية بالمغنيسيوم والأوميجا 3.
- الحركة والرياضة الخفيفة: مثل المشي أو اليوغا.
هل يصيب الرجال أيضًا؟
نعم، الاكتئاب بعد الولادة قد يصيب الآباء أيضًا، بنسب أقل، بسبب ضغوط المسؤولية الجديدة والتغيرات في نمط الحياة.
علاماته تشمل: العصبية، الانسحاب، قلة التركيز، أو فقدان الاهتمام.
كيف نكسر الصمت المجتمعي؟
للأسف، كثير من النساء في عالمنا العربي يخشين الاعتراف بما يشعرن به، خوفًا من “وصمة العار” أو اتهامهن بالجنون.
نحتاج لتثقيف مجتمعي يبدأ من:
- الإعلام والتوعية عبر الحملات.
- إدخال فحوصات الصحة النفسية ضمن الرعاية بعد الولادة.
- تشجيع السيدات على الحديث دون خجل.
- تدريب الأطباء والممرضين على ملاحظة الأعراض مبكرًا.
مبادرات عربية واعدة
في الإمارات، أطلقت وزارة الصحة مبادرة “صحة الأم النفسية” لتوفير استشارات نفسية مجانية بعد الولادة.
وفي السعودية، يوجد تطبيق “قوتي” الذي يربط الأمهات بمختصين نفسيين بسرية كاملة.
خلاصة:
اكتئاب ما بعد الولادة ليس ضعفًا، بل مرض حقيقي قابل للعلاج.
الصمت قد يقتل، والكلمة الطيبة قد تنقذ حياة.
دعم الأمهات في هذه المرحلة الحساسة هو مسؤوليتنا جميعًا.