د. عادل عبد الحليم: ضحك الطفل والابتسامة الدائمة قد يكون عرضا للإصابة بمرض نفسي
كتبت مي سليم

رغم أن القلق النفسي لدى الأطفال يرتبط غالبًا بالبكاء، الخوف، أو نوبات الغضب، إلا أن هناك نوعًا مختلفًا من القلق يتخفى خلف ابتسامة مطيعة، وتصرفات هادئة، بل وأداء دراسي مميز. هذا هو ما يُعرف بـ**”القلق الصامت”**، أحد أكثر أشكال القلق خداعًا لدى الأطفال، لأنه لا يُلاحظ بسهولة، ولا يُشخّص إلا بعد أن يتفاقم.
ولفهم هذا النوع من القلق، تحدثت منصة “طب توداي” مع د. عادل عبد الحليم، استشاري الطب النفسي للأطفال والمراهقين، الذي شدد على أهمية أن يلتفت الآباء والمعلمون إلى العلامات غير الصاخبة، والتي قد تكون مؤشراً لمعاناة داخلية عميقة.
🧠 ما هو القلق الصامت عند الأطفال؟
القلق الصامت هو نوع من القلق العام أو الاجتماعي الذي يظهر عند الأطفال في شكل غير مألوف:
الطفل لا يُظهر خوفًا واضحًا، ولا يشتكي، لكنه في داخله يعاني من توتر دائم، وقلق من التقييم أو الخطأ أو الرفض. هؤلاء الأطفال يميلون إلى:
- المثالية الزائدة.
- تجنب المشاكل أو الاحتكاك بالآخرين.
- إرضاء من حولهم دائمًا.
- الشعور بالذنب بسهولة.
يقول د. عادل عبد الحليم:
“هؤلاء الأطفال قد يبدون كأنهم مثاليون، لكن هذا السلوك غالبًا ما يخفي حالة من الضغط النفسي المزمن الذي يُجهدهم عاطفيًا.”
🧩 ما الذي يسبب القلق الصامت؟
السبب غالبًا ما يكون مزيجًا من العوامل الوراثية والبيئية، مثل:
- شخصية الطفل الحساسة بالفطرة.
- ضغط الأهل للتفوق أو الطاعة الزائدة.
- بيئة مدرسية تنافسية أو صارمة.
- تجارب اجتماعية سابقة بها إحراج أو نقد.
- ملاحظة الطفل توتر الأهل أو مشاكلهم.
ويؤكد د. عادل أن البيئة التي تُكافئ الطاعة وتُهمّش التعبير عن المشاعر قد تُنتج طفلًا “مطيعًا ظاهريًا ومضطربًا داخليًا”.
⚠️ أعراض لا ينبغي تجاهلها
رغم غياب نوبات الغضب أو البكاء، فإن هناك علامات دقيقة تنبه إلى وجود قلق صامت، منها:
- التردد المفرط في اتخاذ القرار.
- القلق من الإخفاق رغم الاستعداد الجيد.
- التألم من الانتقاد أو الملاحظات البسيطة.
- الشعور الدائم بالذنب حتى عند ارتكاب أخطاء صغيرة.
- الأرق أو الكوابيس الليلية.
- شكاوى جسدية متكررة (آلام بطن، صداع) دون سبب عضوي واضح.
يضيف د. عادل عبد الحليم:
“الأطفال القلقون داخليًا قد يحفظون واجباتهم بدقة، لكنهم ينهارون إذا طلبت منهم إلقاء كلمة أمام الفصل.”
🛑 مخاطر تجاهل القلق الصامت
إهمال القلق الصامت قد يؤدي إلى:
- تطور اضطرابات القلق أو الوسواس القهري.
- مشاكل في العلاقات الاجتماعية مستقبلاً.
- انخفاض الثقة بالنفس رغم الإنجازات.
- ميل إلى العزلة أو الإفراط في إرضاء الآخرين.
- ظهور اضطرابات جسدية مرتبطة بالتوتر المزمن.
ويشير د. عادل عبد الحليم إلى أن بعض حالات الاحتراق النفسي لدى المراهقين والبالغين تبدأ من قلق غير معالج في الطفولة.
🧠 كيف يمكن للأهل اكتشافه مبكرًا؟
ينصح الطبيب بمراقبة النقاط التالية:
- هل طفلك يبالغ في التزامه بالقواعد لدرجة القلق؟
- هل يعاني من مشاكل في النوم رغم هدوء يومه؟
- هل يبالغ في لوم نفسه على أخطاء بسيطة؟
- هل يتجنب المواقف الاجتماعية رغم رغبته في التواصل؟
كل هذه إشارات تستحق الحوار الهادئ مع الطفل، وربما استشارة مختص نفسي.
🧰 كيف نساعد الطفل المصاب بالقلق الصامت؟
- الاستماع دون إصدار أحكام: اجعل الطفل يشعر أن مشاعره مقبولة حتى لو بدت “غير منطقية”.
- تشجيع التعبير عن القلق: بالكلمات أو الرسم أو الكتابة.
- التقليل من المثالية: دع الطفل يخطئ دون أن يُحاسب بشدة.
- تقديم نماذج صحية للتعامل مع التوتر: كأن تقول له “أنا أيضًا أخطأت اليوم وتعلمت”.
- اللجوء للعلاج المعرفي السلوكي إذا استمرت الأعراض، خاصة من خلال جلسات اللعب أو الحكاية.
ويؤكد د. عادل عبد الحليم:
“أكبر دعم يمكن تقديمه لطفل يعاني من القلق الصامت هو أن يشعر بالأمان الكافي ليكون على طبيعته، لا كما يريده الآخرون.”
🎓 دور المدرسة
للبيئة المدرسية دور كبير في رصد حالات القلق الصامت. ينصح المتخصصون:
- بعدم التركيز فقط على المتفوقين بل الانتباه لمشاعرهم.
- عدم استخدام التهديد أو الإحراج في الفصل.
- تقديم أنشطة جماعية دون ضغط للتحدث.
- دعم العلاقة بين الأهل والمعلمين لرصد التغيرات النفسية.
💬 توصيات “طب توداي” للأهالي:
- راقب، اسمع، ولا تتجاهل إشارات الصمت.
- لا تربط دائمًا الطاعة بالمثالية.
- شجّع طفلك على أن يكون عاديًا لا خارقًا.
- استشر مختصًا نفسيًا إذا شعرت أن طفلك “يتظاهر بأنه بخير”.
حقوق النشر محفوظة لمنصة طب توداي، المنصة الأهم والأكبر والأولى في مصر والمنطقة العربية.