د. أشرف البنا: الحب لا يكفي.. قواعد ذهبية لتربية الأبناء بدون صراخ

كتبت - رضا مهدي

في كل بيت، تبدأ رحلة التربية منذ لحظة الولادة، لكنها تتعقد يومًا بعد يوم مع ازدياد الضغوط المجتمعية والتغيرات التكنولوجية والنفسية. كثيرون يتساءلون: هل الأفضل الحزم أم الحنان؟ هل التربية بالعقاب تصنع جيلًا منضبطًا أم أنها تهدم الثقة وتزرع الخوف؟ وما هي حدود التدخل في قرارات الأبناء؟ هذه الأسئلة أصبحت محور نقاش لا ينتهي بين الآباء والمربين.

لذا توجهت طب توداي إلى واحد من أبرز المتخصصين في هذا المجال، د. أشرف البنا، استشاري الطب النفسي والعلاقات الأسرية والتربوية، لنتعرف معه على أهم قواعد التربية النفسية السليمة، وكيف نحمي أطفالنا من آثار العنف التربوي، ونبني معهم علاقات متينة تقوم على الحب والاحترام المتبادل.


التربية بالعقاب.. نظرة شاملة:

يقول د. أشرف البنا إن العقاب ليس دائمًا سلبيًا، فهناك ما يُعرف بـ”العقاب التربوي البنّاء” الذي يهدف إلى توجيه الطفل دون إهانته أو إذلاله. العقاب هنا لا يعني الضرب، بل قد يكون حرمانًا من نشاط محبب، أو تنبيهًا واضحًا لسلوك غير مرغوب.

ويؤكد:

“أخطر ما في التربية بالعقاب هو غياب الحوار وغياب تفسير سبب العقوبة للطفل، مما يولّد داخله شعورًا بالظلم ويقلل من احترامه لذويه.”


التربية بالحُب.. ليست دائمًا مثالية:

قد يبدو الحديث عن الحب كوسيلة للتربية أمرًا شاعريًا، لكن د. البنا يحذر من “التربية المائعة” التي تفتقد للثبات والانضباط. يقول:

“التربية بالحُب لا تعني التساهل، بل تقوم على بناء علاقة آمنة بين الطفل ووالديه، قائمة على التفاهم والحزم العادل، دون ترهيب أو تهديد مستمر.”

ويرى أن الخطأ الأكبر هو التذبذب بين اللين الزائد والقسوة المفاجئة، مما يربك الطفل ويؤثر على شعوره بالأمان النفسي.


لماذا يضرب الآباء أطفالهم؟

الأسباب التي تدفع بعض الآباء لاستخدام الضرب كثيرة، منها:

  • ضغوط الحياة اليومية
  • ضعف مهارات التواصل
  • تربية قائمة على العنف في طفولتهم
  • اعتقاد خاطئ بأن الضرب هو الحل الأسرع

ويضيف د. أشرف أن الدراسات الحديثة أثبتت أن الضرب، حتى وإن كان خفيفًا، يترك أثرًا نفسيًا سلبيًا طويل المدى على الأطفال، منها:

  • ضعف تقدير الذات
  • كتمان المشاعر
  • زيادة العدوانية أو الانسحابية
  • تعطل المهارات الاجتماعية

الحزم الإيجابي.. الحل الأوسط:

يرى د. البنا أن أنجح أنماط التربية هو ما يُسمى بـ”الحزم الإيجابي”، أي أن يضع الوالدان قواعد واضحة، ويشرحانها للأطفال بلغة يفهمونها، ويصرّان على تطبيقها دون صراخ أو عنف.

ويضيف:

“الطفل يحتاج للشعور بالسيطرة المحدودة على حياته، يحتاج لأن يسمع وأن يُحترم، وعندما تُبنى هذه القاعدة في المنزل، يصبح من السهل توجيهه دون الحاجة للعقوبات القاسية.”


مفاتيح التربية الناجحة في القرن 21:

  1. الإنصات الفعّال: الاستماع الجاد للطفل دون مقاطعته.
  2. التعبير عن الحب: بالكلمات، والأفعال، والاحتواء.
  3. القدوة السلوكية: الأفعال أقوى من الأوامر.
  4. وضع الحدود بوضوح: لا للتساهل الزائد، ولا للتعسّف.
  5. احترام خصوصية الطفل: خصوصًا في سنوات المراهقة.
  6. إشراك الطفل في القرار: يمنحه الثقة والمسؤولية.
  7. تشجيع لا انتقاد دائم: ركّز على السلوك الإيجابي بدلًا من تكرار التوبيخ.

أخطاء تربوية شائعة:

يحذّر د. أشرف البنا من بعض التصرفات التي يظن الأهل أنها عادية لكنها تؤذي الطفل نفسيًا:

  • وصف الطفل بصفات سلبية (غبي، فاشل…)
  • المقارنة المستمرة بالأشقاء أو الأصدقاء
  • التهديد بالحرمان العاطفي أو المادي
  • السخرية من مشاعره أو أفكاره
  • استخدام الضرب كوسيلة تربوية يومية

التربية في زمن السوشيال ميديا:

لم تعد التربية في هذا العصر شبيهة بما قبلها. وجود الإنترنت، والسوشيال ميديا، وألعاب الفيديو، خلق تحديات جديدة في العلاقة بين الطفل وأهله.

يؤكد د. البنا:

“الطفل اليوم أكثر وعيًا وثقافة، لكنه أيضًا أكثر عرضة للتشتت والضياع إن لم يجد في أسرته الدفء والاهتمام والانضباط النفسي.”

ويشدّد على أهمية أن يكون الأب والأم على دراية بالتطبيقات والمنصات التي يستخدمها الطفل، وأن يتواصلوا معه بلغة قريبة من تفكيره دون إصدار أحكام مسبقة.


خلاصة التقرير:

التربية السليمة هي توازن دقيق بين الحنان والحزم، بين القرب والحدود، وهي عملية مستمرة تحتاج إلى وعي، وقراءة، وتدريب على مهارات التواصل.
الطفل ليس مشروعًا يجب السيطرة عليه، بل إنسان في طور النمو، يحتاج لمن يفهمه ويقوده لا من يخيفه ويعاقبه دون وعي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى