ثورة في علاج فشل القلب.. رقعة حيوية تعيد لعضلة القلب نبضها من جديد
كتبت/ مي السايح

لم يعد حديث شفاء مرضى فشل القلب المزمن مجرد حلم بعيد، فالعلم اليوم يقترب خطوة جادة من “إصلاح القلب من الداخل” عبر تقنية ثورية تعتمد على رقعة حيوية تُصنع من خلايا المريض نفسه، في محاولة لتجاوز مرحلة الأدوية الثقيلة وزراعة القلب والجراحات المعقدة.
ففي دراسة حديثة نُشرت في مجلة Acta Biomaterialia المتخصصة في أبحاث المواد الحيوية، أعلن فريق بحثي دولي عن تطوير رقعة قلبية حيوية (Cardiac Patch) يمكن زرعها في منطقة التلف بعضلة القلب بعد الجلطة، لتعيد إليها جزءًا كبيرًا من كفاءتها وتحدّ من progression فشل القلب المزمن.
ما الذي يحدث للقلب بعد الأزمة القلبية؟
يوضح الأطباء أن الأزمة القلبية لا تنتهي بمجرد مرور الألم الحاد؛ فانسداد الشرايين التاجية يؤدي إلى انقطاع الدم عن جزء من عضلة القلب، ما يسبب موت الخلايا في هذه المنطقة وتحولها إلى نسيج ندبي غير منقبض ولا ينقل الإشارات الكهربية.
ومع الوقت، تتسع المنطقة المتليّفة وتضعف قدرة القلب على الانقباض، فتظهر أعراض فشل القلب: ضيق تنفس، تعب مع أقل مجهود، تورم بالساقين، وخفقان. وفي المراحل المتقدمة، يصبح المريض معتمدًا على الأدوية بجرعات عالية، وقد يحتاج إلى أجهزة مساعدة للقلب أو زراعة قلب.
من هنا ظهرت الفكرة: بدلًا من الاكتفاء بعلاج الأعراض، لماذا لا نحاول ترميم عضلة القلب نفسها؟
رقعة قلب نابضة بالحياة
التقنية الجديدة تعتمد على رقعة حيوية مرنة تشبه ورقة رفيعة جدًا، لكنها مكوّنة من نسيج حي تم تشكيله بعناية ليشبه عضلة القلب الطبيعية قدر الإمكان.
تتكون الرقعة من:
- ألياف نانومترية دقيقة تعمل كـ “هيكل داعم” للنسيج.
- طبقة من جيلاتين حيوي (Hydrogel) يحافظ على رطوبة الخلايا وحيويتها.
- خلايا عضلية قلبية قادرة على الانقباض.
- خلايا أوعية دموية تساعد على تكوين شبكة دموية جديدة.
- خلايا داعمة مسؤولة عن البنية ومرونة النسيج.
هذه المكونات معًا تجعل الرقعة نابضة بالحياة وقريبة جدًا من طبيعة عضلة القلب السليمة.
الأهم من ذلك أن الرقعة يمكن تصنيعها من خلايا المريض نفسه، ما يقلل بشكل كبير من احتمالات رفض الجسم للنسيج الجديد أو حدوث تفاعلات مناعية حادة، وهي واحدة من أكبر مشكلات زراعة الأعضاء.
شاهد أيضًا: بعد وفاة اللاعب محمد صبري.. د. جمال شعبان يحذر: ألم الكتف قد يكون جرس إنذار للقلب
كيف تُزرع الرقعة داخل القلب؟
في السابق، كان من المتوقّع أن يحتاج مثل هذا العلاج لعملية قلب مفتوح مع شق كبير في الصدر، لكن التطور الجديد يعتمد على إجراء تدخُّلي محدود:
- تُحضَّر الرقعة داخل المعمل وتُغذّى بعوامل حيوية تحفز الخلايا على النمو وتكوين أوعية دموية جديدة.
- تُلف الرقعة وتُدخَل عبر أنبوب رفيع من خلال شق صغير في الصدر.
- عند وصولها إلى المنطقة المتليّفة في عضلة القلب، تنفتح تلقائيًا وتستعيد شكلها المسطح.
- تُثبَّت في مكانها باستخدام مادة لاصقة حيوية دون الحاجة لخياطة جراحية، مما يقلل من الالتهاب والضرر في أنسجة القلب المحيطة.
هذه الخطوة تُعتبر نقلة نوعية؛ لأن التدخل المحدود يقلل من مخاطر الجراحة، ويجعل العلاج مناسبًا لشريحة أكبر من مرضى فشل القلب الذين غالبًا ما تكون حالتهم العامة حساسة.
نتائج مبشرة قبل التجارب السريرية
في التجارب التي أجراها الفريق البحثي في مرحلة ما قبل الدراسات السريرية على البشر، أظهرت الرقعة القلبية الحيوية نتائج لافتة:
- اندماج طبيعي مع أنسجة القلب المحيطة.
- تحسن واضح في كفاءة ضخ الدم من القلب.
- انكماش حجم الندبات الليفية في عضلة القلب.
- زيادة في تكوين أوعية دموية جديدة تساعد على تغذية المنطقة المصابة.
- انخفاض ملحوظ في مؤشرات الالتهاب التي تعيق الشفاء.
الأطباء يصفون هذه النتائج بأنها “خطوة كبيرة” في اتجاه تحويل فشل القلب من مرض مزمن متفاقم إلى حالة يمكن السيطرة عليها، وربما عكس جزء من آثارها في المستقبل.
هل يمكن أن تُغني عن زراعة القلب؟
رغم أن الأبحاث لا تزال في مراحل مبكرة، يشير الباحثون إلى أن هذه التقنية قد تقلل مستقبلًا من الحاجة إلى:
- زراعة القلب في بعض الحالات المتقدمة.
- أجهزة دعم القلب طويلة الأمد.
فإذا أثبتت التجارب على البشر أمانها وفعاليتها، يمكن أن تصبح خيارًا علاجيًا وسيطًا بين الأدوية التقليدية والجراحات الكبرى، وتمنح المرضى فرصة لحياة أفضل بجودة أعلى.
لا تتوقف أهمية هذه التكنولوجيا عند عضلة القلب؛ فالمبدأ نفسه – أي استخدام رقع حيوية مصنعة من خلايا المريض – يمكن تطبيقه على:
- الكبد
- الكُلى
- وربما أعضاء أخرى تحتاج إلى تجديد نسيجي
ما يفتح بابًا جديدًا تمامًا في عالم الطب التجديدي والعلاجات الحيوية المتقدمة.
ورغم أن التقنية ما زالت في طور الأبحاث ولم تصبح متاحة بعد كعلاج روتيني، إلا أنها تحمل رسالة واضحة لمرضى القلب:
- العلم يتقدم بسرعة.
- الأمل في علاجات أقل ألمًا وأكثر فعالية أصبح أقرب مما نتخيل.




