p { text-align: justify; }

“لماذا تزداد حالات التوحد بين الأطفال؟ هل اللقاحات مسؤولة؟

كتبت - مي هاني

في السنوات الأخيرة، أصبح اضطراب طيف التوحد (ASD) أكثر حضورًا في الساحة الطبية والاجتماعية. ما كان يُنظر إليه يومًا كحالة نادرة، أصبح الآن من أكثر الاضطرابات النمائية التي تُشخص بين الأطفال حول العالم. وتشير الإحصائيات الحديثة إلى ارتفاع لافت في أعداد الأطفال الذين تم تشخيصهم بالتوحد، ما يطرح تساؤلات ملحة: هل فعلاً زادت معدلات الإصابة؟ أم أن هناك عوامل أخرى وراء هذه الزيادة الظاهرة؟


ما هو اضطراب التوحد؟

اضطراب طيف التوحد هو حالة نمائية عصبية تؤثر على طريقة تفاعل الطفل مع الآخرين، وقدرته على التواصل، وسلوكياته، واهتماماته. تختلف حدة الأعراض من طفل لآخر، مما يجعل الطيف واسعًا للغاية.

من أبرز الأعراض:

  • تأخر في النطق والكلام.

  • صعوبة في فهم الإشارات الاجتماعية مثل تعابير الوجه.

  • تكرار حركات معينة مثل رفرفة اليدين أو التلويح.

  • الانعزال وتفضيل اللعب الفردي.

  • مقاومة التغيير والتمسك بروتين معين.


أرقام تثير القلق

تشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن طفلًا واحدًا من كل 100 طفل يُصاب باضطراب طيف التوحد على مستوى العالم. لكن في بعض البلدان مثل الولايات المتحدة، تصل النسبة إلى 1 من كل 36 طفلًا. وفي العالم العربي، لا توجد إحصاءات دقيقة في جميع الدول، لكن الاتجاه العام يؤكد وجود زيادة واضحة في أعداد التشخيص.


لماذا ترتفع حالات التوحد؟ الأسباب المحتملة

1. تطور أدوات التشخيص وزيادة الوعي

من أبرز الأسباب التي تفسر الزيادة الملحوظة في الحالات هو تحسّن قدرة الأطباء على تشخيص التوحد مبكرًا. فقبل سنوات، كان الطفل المصاب يُشخص بتأخر عقلي أو اضطراب لغوي. أما الآن، فبفضل تطور العلم وتوسع المعرفة، يتم التعرف على الطيف بشكل أوضح، مما يزيد عدد الحالات المُكتشفة.

2. العوامل البيئية والتعرض للمواد السامة

أشارت بعض الدراسات إلى أن تعرض الحامل لبعض المواد الكيميائية مثل المبيدات الحشرية أو التلوث الهوائي قد يرفع من خطر إصابة الطفل بالتوحد. كما أن بعض الباحثين يربطون بين التغيرات في نمط الحياة وانتشار الأطعمة المصنعة وتأثيراتها العصبية طويلة المدى على الجنين.

3. تقدم عمر الوالدين

أثبتت دراسات حديثة أن الأطفال المولودين لأمهات وآباء في سن متقدمة أكثر عرضة للتوحد. ويعتقد العلماء أن جودة البويضات أو الحيوانات المنوية تقل مع التقدم في العمر، مما يزيد من احتمال حدوث طفرات جينية تؤثر في نمو دماغ الجنين.

4. العوامل الجينية والوراثة

يوجد رابط قوي بين التوحد والعوامل الوراثية. إذا كان أحد أفراد العائلة مصابًا، فاحتمال إصابة الطفل يرتفع. وهناك عدة طفرات جينية مرتبطة بزيادة خطر الإصابة بطيف التوحد، رغم أن الجينات وحدها لا تفسر كل الحالات.


ماذا تقول الدراسات الحديثة؟

في تقرير أعده موقع “طب توداي”، أشار عدد من الباحثين إلى أن البيئة التكنولوجية الجديدة – مثل الإفراط في استخدام الشاشات عند الرضع – قد تساهم بشكل غير مباشر في تأخر المهارات الاجتماعية واللغوية، والتي قد تتداخل أحيانًا مع أعراض التوحد.

كما نقل التقرير عن د. عمرو عبد الوهاب بدير، استشاري طب الأطفال وحديثي الولادة، أن بعض الأهل يخلطون بين تأخر الكلام العادي والتوحد، مما يجعل الحاجة للتشخيص المبكر ضرورية. وأكد د. بدير أن المتابعة الطبية الدقيقة هي الأساس في التفرقة بين الحالات المؤقتة وتلك التي تتطلب تدخلاً متخصصًا.


هل اللقاحات مسؤولة عن زيادة التوحد؟

رغم انتشار هذه النظرية في بعض الأوساط، فإنها عارية تمامًا من الصحة. فالدراسات العالمية التي أجريت على آلاف الأطفال لم تثبت أي علاقة بين لقاح الحصبة الثلاثي (MMR) أو غيره وبين الإصابة بالتوحد. وقد أكد موقع “طب توداي” في تقرير موسع أن استمرار هذه الشائعات يؤدي إلى تراجع معدلات التطعيم، مما يُعرض الأطفال لأمراض خطيرة.


دور الأسرة في الاكتشاف المبكر

تلعب الأسرة دورًا محوريًا في ملاحظة العلامات الأولى للتوحد. من المهم أن ينتبه الأهل إلى النقاط التالية:

  • هل الطفل يرد على اسمه؟

  • هل يستخدم الإشارة أو التقليد؟

  • هل لديه اهتمام بالتفاعل مع الآخرين؟

  • هل يفضل اللعب وحده لفترات طويلة؟

إذا لاحظت الأسرة واحدة أو أكثر من هذه السلوكيات، يجب عدم التردد في زيارة طبيب الأطفال أو أخصائي النطق والتواصل.


هل يمكن الوقاية من التوحد؟

حتى الآن، لا توجد وسيلة مضمونة للوقاية من التوحد، لكن هناك خطوات يمكن أن تقلل من المخاطر:

  • الرعاية الصحية الجيدة أثناء الحمل.

  • تجنب المواد الضارة والمبيدات.

  • التغذية المتوازنة للأم.

  • المتابعة الدورية مع الطبيب.

  • تجنب الزواج المتأخر في بعض الحالات.


العلاج والتدخل المبكر.. أمل كبير

رغم أن التوحد لا يُشفى تمامًا، فإن التدخل المبكر يمكن أن يحدث فارقًا كبيرًا في حياة الطفل. تشمل الخطط العلاجية:

  • جلسات التخاطب.

  • التدخل السلوكي المعتمد على تحليل السلوك التطبيقي (ABA).

  • العلاج المهني.

  • الدعم النفسي للأسرة.

وقد أكدت “نصائح طب توداي” على أهمية دمج الطفل المصاب في المجتمع، وتوفير بيئة داعمة تساعده على تطوير مهاراته.


ختامًا: هل نحن أمام وباء عصري أم وعي صحي متزايد؟

في النهاية، لا يمكن إنكار أن حالات التوحد أصبحت أكثر شيوعًا في العقد الأخير، لكن التفسير لا يكمن في عامل واحد. بل هو مزيج من الوعي، والعلم، والتشخيص الدقيق، وربما بعض المؤثرات البيئية والوراثية.

المهم أن ننتقل من دائرة القلق إلى الفعل، ونوفر الدعم للأسر، ونركز على دمج الأطفال في المدارس والمجتمع، ونتخلى عن النظرات السلبية أو المقلقة تجاههم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى