الطب في الحضارة المصرية القديمة.. أسرار أول طب في التاريخ على أرض مصر
كتبت/ مي السايح

تزامنًا مع افتتاح المتحف المصري الكبير، تعود أنظار العالم من جديد إلى أرض الحضارة والعلوم، حيث كانت مصر القديمة أولى الأمم التي وضعت أسس الطب والعلاج، قبل آلاف السنين من ظهور كليات الطب الحديثة.
ففي قلب التاريخ، لم تكن الأهرامات وحدها دليلًا على عبقرية المصريين القدماء، بل أيضًا بردياتهم الطبية التي كشفت عن معرفة مذهلة بتشريح الإنسان، وأساليب الجراحة، واستخدام الأعشاب والنباتات في العلاج.

البرديات الطبية.. كنوز العلم من قلب الحضارة الفرعونية
تُعد بردية إدوين سميث وبردية إيبرس من أقدم السجلات الطبية في التاريخ الإنساني، إذ وثّقتا آلاف الوصفات الجراحية والعلاجية.
– بردية إدوين سميث (حوالي 1600 قبل الميلاد): تعتبر أول سجل جراحي في التاريخ، تصف نحو 48 حالة طبية تتعلق بالرأس والصدر والعظام، وتوضح فهمًا دقيقًا لعلم التشريح.
– بردية إيبرس (1550 قبل الميلاد): موسوعة طبية ضخمة تضم أكثر من 800 وصفة علاجية لأمراض الجهاز الهضمي، التنفسي، الجلد، والأسنان، ما يعكس التقدم العلمي المذهل في تلك الحقبة.

إمحوتب الطبيب الأول في التاريخ
لمع في سماء الطب المصري القديم أسماء خالدة، أبرزهم إمحوتب، الذي يُعتبر أول طبيب موثق في التاريخ البشري، وكان أيضًا مهندسًا وكاهنًا ومفكرًا.
كما تميز المصريون القدماء بوجود أطباء متخصصين، فكان هناك طبيب العيون المعروف بـ”طبيب عين حوروس”، وطبيب الأسنان، وطبيب العظام، في نظام طبي دقيق يعكس التنظيم العلمي المذهل لتلك الحقبة.

رواد في الجراحة والعلاج بالأعشاب
مارس المصريون القدماء الجراحة بخبرة نادرة، تضمنت خياطة الجروح، إزالة الأورام، وعلاج الكسور بطرق بدائية لكنها فعالة.
واستخدموا الأعشاب الطبيعية مثل الثوم والعسل والبصل لعلاج الالتهابات والأمراض المعدية، كما استخدموا النحاس والعسل لتعقيم الجروح، في تطبيق مبكر لمفاهيم مكافحة العدوى.
لم يكن الطب عند المصريين مجرد مهنة، بل فلسفة متكاملة تقوم على فهم الروح والجسد معًا، كما ساهمت عمليات التحنيط في إثراء علم التشريح، إذ وفرت معرفة دقيقة بتكوين أعضاء الجسم ووظائفها.
وقد انعكست هذه المعارف في مكانة الطبيب داخل المجتمع المصري القديم، حيث كان يحظى بالاحترام والتقديس، وتُسجل معارفه بعناية في المعابد والبرديات.

ما بين بردية إيبرس القديمة والمنظومة الطبية الحديثة في مصر اليوم، يبقى الرابط واحدًا: الاهتمام بصحة الإنسان.
واليوم، ومع افتتاح المتحف المصري الكبير، تتجلى أمام العالم صورة مصر التي كانت مهد الطب القديم، وتستمر اليوم في تعزيز مكانتها في مجالات الطب والبحث العلمي والرعاية الصحية، عبر جهود وزارة الصحة والسكان، والمؤسسات الطبية الجامعية.




