هل تحب كي تشتاق؟ أم تشتاق كي تحب؟ الرغبة الجنسية عند المرأة بين العاطفة والاحتياج الجسدي
كتبت - هند مغربي

الرغبة الجنسية عند المرأة، لغز معقد تتداخل فيه العواطف مع البيولوجيا، والتجربة النفسية مع التكوين الهرموني. فهل ترتبط رغبة المرأة دائمًا بالحب؟ أم أن هناك احتياجًا جسديًا بحتًا يمكن أن يشتعل دون خلفية عاطفية؟ هذا السؤال ظل لعقود مادة خصبة للدراسات النفسية والطبية والاجتماعية، ومحور نقاش لا يخلو من الجدل في البيوت، والعيادات، وصفحات الكتب.
في هذا التحقيق، نفتح ملف الرغبة الجنسية عند المرأة بعيون علمية وتحليلية وإنسانية، نحاول فيه تفكيك المعادلة بين الحب والجسد، بين التوقيت والرغبة، بين الأسباب والدوافع.
الرغبة الجنسية عند المرأة.. ليست كما تظن
الرغبة الجنسية عند المرأة تختلف تمامًا عن تلك الموجودة عند الرجل. فبينما يكون الدافع الجنسي لدى الرجل غالبًا بيولوجيًا، ومباشرًا، وسريع الاشتعال، فإن الرغبة الأنثوية أكثر تعقيدًا، تتطلب شروطًا نفسية وعاطفية وتوقيتًا مناسبًا.
يقول علماء النفس إن الرغبة عند المرأة تشبه “مفتاحًا كهربائيًا مركبًا” يحتاج إلى تنشيط العديد من الدوائر: شعور بالأمان، وارتياح نفسي، وتقدير من الطرف الآخر، وربما حب أو انجذاب عاطفي. وليس مجرد رغبة في الجسد.
الحب كمحفّز رئيسي للرغبة
العديد من الدراسات النفسية تؤكد أن الحب والعاطفة يشكلان المحرك الأساسي للرغبة الجنسية عند نسبة كبيرة من النساء. فالمرأة تميل إلى العلاقة الجنسية عندما تشعر بأنها محبوبة، مرغوبة، ومقدّرة. العلاقة الحميمة بالنسبة لها ليست مجرد “غريزة”، بل وسيلة تواصل عميقة، ولغة خاصة تعبّر بها عن مشاعرها، وتتلقى بها مشاعر الآخر.
وقد بيّنت دراسة نشرتها جامعة “بنسلفانيا” أن 85% من النساء اللواتي شاركن في الدراسة اعتبرن أن الشعور بالحب من الشريك يجعل العلاقة الحميمة أكثر إرضاءً، ويزيد من رغبتهن في ممارستها.
متى تكون الرغبة حاجة جسدية بحتة؟
لكن، هل يعني ذلك أن المرأة لا تشعر بالرغبة الجنسية إلا إذا أحبت؟ الحقيقة أكثر مرونة. هناك نساء يشعرن برغبة جسدية بحتة، نتيجة التغيرات الهرمونية أو الضغوط النفسية أو حتى الفضول الجنسي. قد تكون هناك رغبة دون حب، خاصة في ظروف معينة مثل:
- فترة التبويض، حيث ترتفع معدلات الهرمونات الجنسية وتزيد الرغبة.
- التوتر والإجهاد، حيث قد تكون العلاقة الحميمة وسيلة للتنفيس.
- غياب العلاقة العاطفية مع شريك، ووجود احتياج جسدي غير ملبى.
وفي هذا السياق، تصبح الرغبة الجنسية عند المرأة أقرب إلى ما يشعر به الرجل، لكنها تظل مختلفة في طريقة التعامل والتعبير عنها.
الرغبة لا تعني دائمًا الاستعداد
من أبرز الفروق النفسية بين الرجل والمرأة أن وجود الرغبة لا يعني بالضرورة الاستعداد للعلاقة. فالمرأة قد تشعر برغبة لكنها تؤجلها أو ترفض العلاقة لعدم وجود الشروط النفسية المناسبة. يمكن تشبيه الأمر بمحرك سيارة قوي لكن دون وجود طريق ممهد.
وهنا تظهر أهمية الحوار بين الزوجين، وفهم الرجل لطبيعة التكوين العاطفي لزوجته، لاجتناب التصادمات المتكررة في الحياة الزوجية.
متى تضعف الرغبة الجنسية عند المرأة؟
تتأثر الرغبة الجنسية عند المرأة بعوامل كثيرة، منها:
- الضغوط النفسية: التوتر، مشاكل العمل، الخلافات الزوجية.
- اضطرابات الهرمونات: بعد الولادة، أو في سن اليأس.
- تجارب جنسية سلبية: تحرش، أو عنف، أو علاقة سابقة مؤلمة.
- الصورة الذاتية: شعور المرأة بعدم الرضا عن شكلها أو جسدها.
- الروتين والملل: غياب التجديد في العلاقة يطفئ الشغف.
ولهذا فإن علاج ضعف الرغبة عند المرأة لا يكون فقط عبر المنشطات أو الأدوية، بل يتطلب فهمًا أعمق للجوانب النفسية والاجتماعية في حياتها.
هل المرأة أكثر وفاءً في رغبتها؟
في كثير من الحالات، تكون الرغبة عند المرأة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالشخص، وليس فقط بالفعل الجنسي. ولذلك، فإن النساء – في المتوسط – أكثر ولاءً لشركائهن من الرجال في المجال الجنسي، وأقل انجرافًا نحو الرغبة العشوائية.
لكن هذا لا يعني أن المرأة لا تضعف أو لا تتغير رغباتها. فالرغبة الجنسية كأي شعور إنساني، يمكن أن تتأثر بالظروف، وتختلف من فترة لأخرى.
الذكاء العاطفي سر الإثارة عند المرأة
أثبتت الأبحاث أن المرأة تنجذب للرجل الذكي عاطفيًا، القادر على فهمها، دعمها، واحتوائها، أكثر من انجذابها للمظاهر الجسدية أو الوسامة. فالإثارة الجنسية عند المرأة تمر أولًا عبر العقل والمشاعر، قبل أن تصل إلى الجسد.
الاهتمام، النظرة، الكلمة الطيبة، التقدير، كلها محفزات حقيقية للرغبة عند المرأة. وربما يكون “الحب الصادق” أكثر المنشطات الجنسية فاعلية لها.
العلاقة الجنسية الناجحة تبدأ من خارج السرير
من الأخطاء الشائعة أن يُختصر الاهتمام بالعلاقة الحميمة في وقت الممارسة فقط. المرأة تحتاج إلى مقدمات طويلة قبل العلاقة، تبدأ من المواقف اليومية، وطريقة الحوار، والاحترام المتبادل.
العلاقة الجنسية بالنسبة للمرأة ليست نهاية اللقاء، بل امتداد لمشاعر تراكمت، وكلمات قيلت، واهتمام استمر.
خلاصة: بين القلب والجسد.. المرأة تختار التوازن
في النهاية، الرغبة الجنسية عند المرأة لا يمكن اختزالها في “حب فقط” أو “احتياج فقط”. بل هي مزيج فريد من التفاعلات النفسية والجسدية. هناك من تشعلها كلمة، وهناك من تذيبها لمسة، وهناك من تحتاج إلى مشوار طويل من الثقة والاحتواء قبل أن تفتح قلبها وجسدها.
الوعي بهذه الفروقات لا يساعد فقط في فهم المرأة، بل يفتح أبوابًا لحياة زوجية أكثر دفئًا، واحترامًا، وتواصلًا حقيقيًا.