هل السمنة قدر وراثي؟ طب توداي تستعرض الحقيقة الكاملة عن الجينات والوزن

كتبت ـ خلود عماد

هل زيادة الوزن تُورث؟ وهل يمكن لجيناتنا أن تحكم على أجسامنا بالسمنة قبل أن نولد؟ تساؤلات يطرحها كثيرون في زمن أصبحت فيه السمنة واحدة من أبرز مشكلات الصحة العامة في العالم. ومع انتشار الوعي الغذائي وتوافر أساليب التمرين، يبقى السؤال الأهم: لماذا ينجح البعض في الحفاظ على وزن صحي بسهولة بينما يعاني آخرون رغم محاولاتهم المستمرة؟

في هذا التقرير الخاص، تستعرض لكم “طب توداي” العلاقة بين العوامل الوراثية وزيادة الوزن، وتشرح إلى أي مدى تلعب الجينات دورًا في إصابتنا بالسمنة، وهل يمكن التغلب على هذا العامل الوراثي بالوعي والسلوك الصحي؟

الجينات والسمنة.. العلاقة الغامضة
علم الوراثة لم يعد حكرًا على الأطباء والعلماء، بل أصبح حديث الناس في كل مكان. ومع تطور البحوث، تمكّن العلماء من التعرف على عشرات الجينات المرتبطة بزيادة الوزن، أهمها الجين المعروف باسم FTO أو “جين السمنة”، الذي يزيد من قابلية الجسم لتخزين الدهون ويؤثر على الإحساس بالشبع.

لكن وجود هذا الجين لا يعني بالضرورة أنك ستصاب بالسمنة. فالعلماء يفرّقون بين “القابلية” و”النتيجة”. الجينات قد ترفع احتمالية زيادة الوزن، لكنها لا تفرض مصيرًا نهائيًا. السلوك اليومي، وطريقة تناول الطعام، ومستوى النشاط البدني، كلها عوامل قادرة على تعطيل مفعول هذا الجين أو تقويته.

وراثة لا تعني استسلامًا
من أكبر الأخطاء الشائعة أن نُرجع السمنة بالكامل إلى الجينات. البعض يتعامل مع وزنه الزائد باعتباره “حكمًا وراثيًا” لا فكاك منه. لكن الحقيقة أن الوراثة توفّر فقط الأرضية، أما البناء الكامل فيحدّده أسلوب الحياة.

تشير الدراسات إلى أن الجينات مسؤولة عن حوالي 40% إلى 70% من القابلية للسمنة، بينما الباقي يعود إلى العوامل البيئية والسلوكية. وهذا يعني أن الإرادة والتغيير ممكنان بل وحاسمان.

الأسرة.. سلوك موروث أم بيئة مكتسبة؟
في كثير من الأسر، نلاحظ أن الأب أو الأم يعانيان من السمنة، وكذلك الأبناء. فيظن البعض أن السبب الوحيد هو العامل الوراثي. لكن “طب توداي” تؤكد أن السمنة الأسرية لا تعود فقط للجينات، بل لطريقة العيش داخل البيت.

إذا نشأ الطفل في بيئة تفتقر إلى الوعي الغذائي، وتكثر فيها الوجبات السريعة والمقليات، وتغيب عنها الرياضة والنشاط، فإن احتمالات إصابته بالسمنة تتضاعف، بغضّ النظر عن الجينات.

جينات الشهية.. حين تتحكم الوراثة في إحساس الجوع
أحد الجوانب الخطيرة في العلاقة بين الوراثة والسمنة، هو تأثير بعض الجينات على مركز الشبع في الدماغ. بعض الأشخاص يمتلكون جينات تجعلهم أكثر حساسية للجوع، أو أقل استجابة للإحساس بالشبع.

هذا الخلل الهرموني الوراثي قد يؤدي إلى الإفراط في الأكل دون وعي، أو الشعور المستمر بالحاجة للطعام حتى بعد تناول وجبة كافية. وهنا تظهر أهمية التدريب السلوكي، حيث يمكن تعليم الجسم والعقل كيفية التعرف على الجوع الحقيقي وتمييزه عن الجوع العاطفي أو الجيني.

اختلاف توزيع الدهون.. أثر جيني واضح
هناك أشخاص تتركز الدهون لديهم في منطقة البطن، وآخرون في الأرداف أو الذراعين. هذا التوزيع ليس عشوائيًا، بل تلعب الجينات دورًا كبيرًا فيه. وتُعد دهون البطن تحديدًا الأخطر صحيًا، لارتباطها بأمراض القلب والسكري وارتفاع ضغط الدم.

لكن حتى في هذه الحالة، يبقى النشاط البدني المنتظم والتغذية المتوازنة هما خط الدفاع الأقوى ضد تفاقم المشكلة.

متى نلجأ للفحوص الوراثية؟
في بعض الحالات، قد تكون السمنة ناتجة عن خلل جيني نادر، مثل متلازمة “برادر ويلي” أو “كوشينغ”، وهي أمراض تؤدي إلى سمنة مفرطة منذ الطفولة وتحتاج إلى تدخل طبي متخصص.

هنا تنصح طب توداي بضرورة اللجوء للفحص الجيني إذا:

  • بدأت السمنة منذ الطفولة المبكرة وبشكل مفرط.

  • كانت السمنة مصحوبة باضطرابات هرمونية واضحة.

  • فشلت كل محاولات إنقاص الوزن رغم الالتزام بالنظام الغذائي والرياضي.

التغلب على الوراثة يبدأ من الوعي
رغم كل ما سبق، تبقى الرسالة الأهم التي تشدد عليها طب توداي هي أن العوامل الوراثية لا يجب أن تكون شماعة نعلق عليها الفشل. السمنة ليست قدرًا، بل تحدٍ يمكن التغلب عليه. وها هي بعض الخطوات التي تُضعف تأثير الجينات:

  1. اتباع نمط غذائي ذكي: التركيز على الأطعمة الطبيعية والغنية بالألياف والبروتين، وتجنب السكريات والدهون المصنعة.

  2. النشاط البدني المنتظم: حتى المشي اليومي لمدة 30 دقيقة يمكن أن يصنع فارقًا في معدل حرق الدهون.

  3. إدارة التوتر والنوم الجيد: قلة النوم والضغط النفسي يعززان الجوع ويؤثران في إفراز الهرمونات المرتبطة بالشهية.

  4. تغيير عادات الأسرة: البيت هو المدرسة الأولى. إذا التزمت الأسرة بنمط صحي، يكتسب الأطفال هذه العادات دون مقاومة.

الجينات لا تفوز دائمًا.. والدليل فيمن نجحوا
يوجد الآلاف ممن يحملون جينات السمنة لكنهم استطاعوا المحافظة على وزن مثالي. هؤلاء لم ينكروا جيناتهم، بل تعاملوا معها بوعي، وغيروا حياتهم تدريجيًا. السر لم يكن في إنكار الوراثة، بل في عدم الاستسلام لها.

نصيحة طب توداي
إذا كنت تعرف أن لديك تاريخًا عائليًا مع السمنة، فابدأ مبكرًا. راقب نمط أكلك، واحرص على الحركة، ودرّب أبناءك على حب الطعام الصحي والرياضة. تذكّر أن الوقاية تبدأ من الوعي، وأن الجينات قد تضعف، لكنها لا تقوى على العقل الواعي والجسم المتحفز للتغيير.

خاتمة
السمنة ليست حكمًا نهائيًا تفرضه الجينات، بل نتيجة لمعادلة معقدة تشمل الوراثة والبيئة والسلوك. ووعيك بهذه العوامل هو السلاح الحقيقي لمواجهة زيادة الوزن.
تستعرض لكم طب توداي دومًا أحدث ما توصل إليه العلم في هذا المجال، وتقدّم نصائح مبنية على دراسات موثوقة لتساعدك في بناء نمط حياة صحي يتحدى الوراثة ويستعيد الرشاقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى