مناضل ثوري ورئيس نزيه حارب الفقر والدخان.. من هو الرئيس خوسيه موخيكا

كتبت/ مي السايح

فقد العالم واحدًا من أندر القادة في العصر الحديث، برحيل رئيس أورغواي السابق خوسيه ألبرتو موخيكا كوردانو، المعروف بلقب “أفقر رئيس في العالم”، بعد معاناة طويلة مع مرض السرطان. لم يكن لقب “الأفقر” تقليلًا من شأنه، بل تكريمًا لتواضعه ونمط حياته المتقشف الذي حافظ عليه حتى آخر يوم في حياته.

صحة متدهورة وحرب ضد السجائر

على الرغم من بساطة حياته، إلا أن موخيكا خاض معارك شرسة ضد ما كان يراه تهديدًا حقيقيًا لحياة الإنسان، وعلى رأسها التدخين.

كان يرى السجائر عدوًا صامتًا يدمر المجتمعات، فنادى بفرض قيود صارمة عليها، ومنعها في الأماكن العامة، وأعلن موقفًا صريحًا ضد شركات التبغ العالمية، وقد صرح ذات مرة قائلاً: “يجب السيطرة على السجائر، لأنها تقتل المجتمعات”.

لكن المفارقة أن موخيكا نفسه خاض معركة صحية صعبة مع السرطان، وقد أثرت حالته الصحية المتدهورة على ظهوره الإعلامي في السنوات الأخيرة. وبرغم ألمه، ظل مدافعًا عن فكرة “العيش بصحة وكرامة”، ورفضه لمشاريع قد تضر بالبيئة أو بصحة الإنسان، مثل مشروع إنتاج الكهرباء بالفحم الذي عارضه بقوة.

منذ توليه الرئاسة في يناير 2010، رفض موخيكا الانتقال إلى القصر الرئاسي، وفضّل البقاء في بيته الريفي المتواضع، الذي يصل إليه عبر طريق ترابي طويل.

كان يرفض الموكب الرئاسي، ويكتفي بعدد محدود من الحراس، رغم أنه تعرّض لمحاولات اغتيال وإطلاق نار سابقًا، وكان يتنقل بسيارته القديمة من طراز “فولكس فاجن بيتل – موديل 1987”، ويقودها بنفسه، في مشهد نادر من التواضع السياسي.

لم يكتفِ موخيكا بتقديم خطاباته البسيطة أو التصريحات الرنانة، بل تبرع بـ90% من راتبه الشهري، البالغ 12 ألف دولار، للجمعيات الخيرية والمشاريع الصغيرة، إيمانًا منه بضرورة أن يشعر الرئيس بما يعانيه المواطن البسيط.

كان يقول: “أنا لست فقيرًا، الفقير هو من يحتاج إلى الكثير. أنا أعيش مثل شعبي، ولهذا انتخبوني”.

من السجن إلى القصر.. ثم العودة إلى البساطة

بدأ موخيكا مسيرته السياسية من قلب الكفاح، حيث كان مقاتلًا في منظمة “توباماروس” الثورية اليسارية، واعتقل لسنوات طويلة بلغت 14 عامًا.

اعتبر فترة السجن “ورشة لإعادة تشكيل الذات”، وخرج منها أكثر تمسكًا بالقيم، وأكثر تواضعًا ووضوحًا في الرؤية.

قبل توليه الرئاسة، شغل مناصب مهمة مثل وزير الزراعة والثروة الحيوانية، ثم عضوًا في مجلس الشيوخ، حتى فاز بالرئاسة في 2009.

 

سياسات اجتماعية وإنسانية فريدة

خلال سنوات حكمه، نجح موخيكا في تقليص نسبة الفقر من 37% إلى 11%، وحرص على إعادة توزيع الثروة بعدالة، وفي واحدة من أكثر مواقفه إنسانية، عرض عام 2011 تحويل أجنحة في القصر الرئاسي إلى مأوى للمشردين خلال الشتاء.

ولم يكتف بذلك، بل استضاف 100 طفل سوري يتيم هربوا من أهوال الحرب، وأمّن لهم المأوى والرعاية في بلاده.

رؤية بيئية ومسؤولية أخلاقية

كان موخيكا من أشد المدافعين عن البيئة، ورفض مشروعات تُهدد نظافة الهواء والماء، واعتبر أن العالم يدفع ثمنًا باهظًا نتيجة التلوث، كما حذر من الإنفاق العالمي على الحروب، مؤكدًا أن كل دقيقة تُنفق فيها البشرية 2 مليار دولار على الصراعات، بينما يمكن حل الخلافات بالتفاوض والسلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى