طبيب يسرد معاناة أرملة فقيرة.. السرطان سكن ثديها في وقت خضوع طفلها لسبع عمليات جراحية .. وكل همها: عايزه أروح بدري لعيالي الباقيين
كتبت/ مي السايح

داخل أروقة أحد المستشفيات الحكومية للجراحة، ظهرت امرأة ثلاثينية تحمل طفلًا رضيعًا على خصرها بطريقة بدت معتادة وكأنها تحمل الحياة بأكملها في تلك الذراعين، تقدمت بخطوات واثقة رغم علامات التعب البادية على وجهها، وطلبت من الطبيب أن يفحص رضيعها.
بدا الطبيب متعجبًا من وصولها في وقت متأخر من اليوم، فسألها عن سبب التأخير، ردت بابتسامة تحمل من الشقاء ما يفوق سنوات عمرها:
“مهي دي مستشفى يا دكتور، الدكاترة هيروحوا فين يعني؟”
كشف الطبيب على الطفل، الذي بدا هزيلًا بعض الشيء، ليكتشف أنه يعاني من عيوب خلقية معقدة تتطلب سلسلة من العمليات الجراحية الدقيقة والمتابعة المستمرة، بدا الأمر ثقيلًا حتى على الطبيب الذي خبر الكثير من الحالات الصعبة، لكن المرأة ظلت واقفة بثبات، ولم تُظهر ذرة جزع. سألت بكل بساطة:
“مش بتعملوا العمليات دي ببلاش هنا يا دكتور؟”
أجابها الطبيب: “آه يا أمي، كل ده هنا مجاني إن شاء الله”.
تنهدت المرأة بارتياح، وكأنها حملت جبالًا على كتفيها، ومن حديثها، علم الطبيب أنها تعيش في إحدى القرى النائية، حيث تخرج كل يوم قبل شروق الشمس، تقطع مسافات طويلة سيرًا على قدميها، تحمل رضيعها ملفوفًا في خمارها كي لا يتأذى من غبار الطريق، تستقل سيارة ربع نقل مزدحمة بالعمال والبهائم، وتجلس بينهم دون أدنى تذمر، فقط كي تصل إلى المستشفى.
ورغم كل ذلك، كانت تحتفظ بابتسامتها الريفية الصافية، وكأنها تعطي درسًا في الرضا.
لم يكن وضعها المادي أفضل حالًا، فقد أخبرته أن زوجها توفي قبل فترة، وترك لها ثلاثة أطفال غير الرضيع الذي تُعالج له، بالكاد تجد ما تطعمهم، لكنها لا تشكو ولا تئن، فقط تطلب العلاج ليعيش صغيرها.
مرت الأيام، وتكررت زياراتها، وفي إحدى المرات، بعد أن انتهت من سؤالها المعتاد عن طفلها، طلبت من الطبيب أن يفحص صدرها. همست بخجل: “يا دكتور، أنا حاسة في كلكوعة ظهرت كده من فترة وسايباها، بس بقت تكبر، مش عارفة هي إيه”.
أصر الطبيب على فحصها فورًا، فاكتشف أن المرأة تعاني من سرطان الثدي في مرحلة متقدمة، وحجم الورم كان كبيرًا، نظرت إليه بثبات وسألته: “مش بتعملوها مجاني هنا يا دكتور؟”
أجابها الطبيب: “آه يا أمي، العلاج هنا كله مجاني”.
بدت المرأة وكأنها تنفست الصعداء، ثم أكملت بابتسامتها الهادئة:
“خلاص هكمل هنا، المهم العيال، وأجي أعمل العملية”.
خضعت المرأة للجراحة وأُزيل الثدي، وتلقت بعدها جلسات العلاج الكيماوي والإشعاعي، وتحملت كل ذلك بشجاعة منقطعة النظير، في اليوم التالي للجراحة، طلبت الخروج بسرعة لأنها قلقة على أطفالها في المنزل الذين قد لا يجدون طعامًا في غيابها.
مرت أسابيع العلاج بصبرها المعتاد، وكانت تواصل طريقها كل يوم لتأتي إلى المستشفى رغم وعورة المواصلات، حاملة رضيعها، مبتسمة، وكأن لا شيء يهز عزيمتها.
بعد شهور من علاجها، التقاها الطبيب صدفة وهي تحمل طفلها النحيل، وقد بدت واهنة الجسد لكن عينيها بقي فيهما بريق الأمل. قالت له:
“أنا خلصت العلاج الحمد لله، وكمان بقيت كويسة”.
تجسد هذه القصة صمود الأمومة والإرادة في وجه الظروف القاسية، وتُذكرنا بأن الصبر والابتسامة يمكن أن يكونا أقوى من الألم والمعاناة.