“لماذا نزداد وزنًا؟.. أسرار السمنة واختفاء الرشاقة في زمن السرعة”

كتبت هناء سمعان

لم يعد الحديث عن السمنة مجرد هوس بالمظهر الخارجي أو تقليدًا لمعايير الجمال، بل أصبح قضية صحية خطيرة تتفاقم يومًا بعد يوم في مختلف المجتمعات، حتى باتت تُصنَّف من قبل منظمة الصحة العالمية كـ”وباء العصر”. والأخطر أن غياب الرشاقة لم يعد مقتصرًا على الكبار فقط، بل تسلل أيضًا إلى الأطفال والمراهقين. فما الأسباب التي جعلت السمنة شائعة بهذا الشكل؟ ولماذا أصبحت الرشاقة حلمًا صعب المنال في زمن التكنولوجيا والرفاهية؟

السمنة لم تعد مجرد مسألة شكلية، بل هي جرس إنذار صحي يهدد حياة الملايين. وغياب الرشاقة في زمن الوفرة ليس قدرًا، بل نتيجة لاختياراتنا اليومية. إذا أردنا أن نغيّر، فعلينا أن نبدأ بإعادة النظر في عاداتنا، وندرك أن العودة إلى الرشاقة ليست مستحيلة، لكنها تحتاج إلى وعي، وقرار، وصبر.

في هذا التقرير، نكشف في طب توداي الأسباب الحقيقية وراء انتشار السمنة وتراجع الرشاقة، ونفكك العوامل النفسية والبيئية والسلوكية التي تقف وراء هذا التغير الكبير في نمط حياة الإنسان.

أولًا: الطعام.. بين الوفرة وسوء الاختيار
لم يشهد العالم في تاريخه وفرة في الطعام كما هو الحال اليوم. رفوف المتاجر مليئة بالمغريات، والإعلانات لا تتوقف عن الترويج للوجبات السريعة والحلويات والمشروبات السكرية. ومع هذه الوفرة، ضاع الإنسان بين الكم والكيف.

الأطعمة المصنعة أصبحت جزءًا أساسيًا من النظام الغذائي اليومي، وهي غنية بالسعرات والدهون والسكريات وقليلة في القيمة الغذائية. حتى الوجبات المنزلية لم تعد كما كانت، حيث يغلب عليها القلي والدهون المشبعة.

ثانيًا: قلة الحركة في زمن الراحة التامة
التقدم التكنولوجي سهّل الحياة، لكنه في الوقت ذاته سلب منها جانبًا مهمًا وهو “الحركة”. أصبح الإنسان يقضي أغلب يومه جالسًا، سواء في المكتب، أو أمام شاشة الهاتف، أو داخل السيارة.

حتى المهام البسيطة مثل شراء الطعام أو دفع الفواتير لم تعد تحتاج إلى الخروج من المنزل، بل تُنجز عبر ضغطة زر. ومع هذا النمط، تضاءلت فرص حرق السعرات، وتراكمت الدهون، خاصة في منطقة البطن.

ثالثًا: الضغوط النفسية والأكل العاطفي
التوتر والقلق والاكتئاب أصبحوا جزءًا من حياة كثيرين، ومعهم ظهر مفهوم “الأكل العاطفي”، حيث يستخدم البعض الطعام كوسيلة للهروب من المشاعر السلبية. في لحظة حزن أو ضغط، يلجأ الشخص إلى تناول الشوكولاتة أو المقليات أو الوجبات السريعة ليشعر بالراحة، دون أن يدرك أن هذا النوع من الراحة مؤقت، وثمنه باهظ.

رابعًا: اضطرابات النوم وتأثيرها على الوزن
قلة النوم أو النوم غير المنتظم يؤديان إلى خلل في الهرمونات المسؤولة عن الجوع والشبع. هرمون “الغريلين” المسؤول عن الإحساس بالجوع يرتفع مع قلة النوم، بينما يقل إفراز “اللبتين” الذي يبعث برسائل الشبع للمخ. النتيجة: شهية مفتوحة في اليوم التالي، خصوصًا تجاه السكريات والكربوهيدرات.

خامسًا: العوامل الوراثية لا تعني الاستسلام
صحيح أن هناك عوامل وراثية تلعب دورًا في الميل للسمنة، لكن هذا لا يعني أن الإنسان محكوم بالسمنة إلى الأبد. الوراثة قد تحدد القابلية، لكنها لا تفرض النتيجة. السلوك اليومي هو العامل الحاسم. كثيرون يحملون جينات السمنة، لكنهم يظلون رشيقين لأنهم يتبعون نمط حياة صحي.

سادسًا: مفاهيم مغلوطة حول الغذاء
لا تزال هناك معتقدات خاطئة مثل:

  • “الأكل بعد الساعة 8 مساءً يسبب السمنة”، رغم أن ما يهم هو إجمالي السعرات.
  • “الرجيم يعني الحرمان”، بينما الحقيقة أن الاعتدال هو الحل.
  • “ممارسة الرياضة تغفر كل شيء”، بينما التمرين وحده لا يكفي إذا لم يصحبه نظام غذائي سليم.

سابعًا: البيئة المحيطة.. حين يصبح السلوك الجمعي مشكلة
في بعض البيئات، يُنظر إلى الوزن الزائد على أنه علامة صحة أو “وجاهة اجتماعية”، ويُعتبر فقدان الوزن نوعًا من الضعف. كذلك فإن العادات الغذائية في بعض الثقافات تعتمد على الولائم والدهون والمقليات بشكل أساسي. وفي ظل هذه الثقافة، يصبح من الصعب على الفرد أن يحافظ على رشاقته دون أن يُتهم بأنه “معقد” أو “غير اجتماعي”.

ثامنًا: تسويق الطعام غير الصحي.. حرب غير متكافئة
شركات الأغذية تنفق مليارات الدولارات سنويًا على تسويق المنتجات عالية السعرات والفقيرة بالمغذيات. الأطفال هم الفئة الأكثر استهدافًا، ما يرسخ لديهم منذ الصغر حب الوجبات السريعة والحلوى. وفي المقابل، لا يوجد توعية كافية أو تسويق فعال للطعام الصحي.

تاسعًا: التكنولوجيا سلبتنا الحركة لكنها تمنحنا الحلول أيضًا
رغم أن التكنولوجيا ساهمت في تقليل النشاط البدني، فإنها تقدم أيضًا وسائل لاستعادة الرشاقة، مثل:

  • تطبيقات مراقبة السعرات والأنشطة.
  • فيديوهات التمارين المنزلية.
  • برامج التوجيه الغذائي.
    لكن استخدامها الإيجابي يحتاج إلى وعي ورغبة حقيقية في التغيير.

عاشرًا: غياب التثقيف الصحي من الطفولة
المدارس لا تُعلّم الأطفال كيف يأكلون بشكل صحي، ولا تُغرس فيهم ثقافة الحركة والرياضة كجزء أساسي من نمط الحياة. النتيجة أن الطفل ينشأ على عادات غذائية خاطئة تستمر معه مدى الحياة، ما يصعّب من استعادته للرشاقة في المستقبل.

كيف نواجه هذا الواقع؟

  • نشر التوعية: لا بد من حملات إعلامية ومدرسية لتثقيف الناس بخطورة السمنة وطرق الوقاية منها.
  • دور الأسرة: القدوة تبدأ من البيت. حين يرى الطفل والديه يحرصون على طعامهم ونشاطهم، يكتسب نفس العادات.
  • تحسين البيئة الغذائية: تقليل الإعلانات التي تروّج للوجبات السريعة، وتوفير بدائل صحية بأسعار معقولة.
  • تحفيز الحركة: تخصيص مساحات للمشي، وتشجيع الرياضة في المدارس والجامعات ومكان العمل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى