دور الأحذية الطبية في الوقاية من الجروح لدى مرضى التهاب الأعصاب؟ حوار خاص مع د. محمد مجدي بدر
كتبت - سعاد مصطفى

ما هو دور الأحذية الطبية والعناية بالقدم في الوقاية من الجروح لدى من يعاني من التهاب الأعصاب؟ حوار خاص مع د. محمد مجدي بدر، استشاري علاج القدم السكري
في زحام الحديث عن مضاعفات السكري، لا يحظى التهاب الأعصاب الطرفية بالاهتمام الذي يستحقه، رغم كونه من الأسباب الرئيسية لظهور الجروح المزمنة في القدم، بل قد يكون البداية الخفية لسلسلة من المضاعفات التي تنتهي -لا قدر الله- ببتر الأطراف.
في هذا الحوار، نفتح هذا الملف مع الدكتور محمد مجدي بدر، استشاري علاج القدم السكري، لنفهم منه ما هو هذا الالتهاب، ولماذا لا يشعر به المريض في البداية، وما العواقب المترتبة عليه، وكيف يمكن اكتشافه مبكرًا وعلاجه قبل فوات الأوان.
ما هو التهاب الأعصاب الطرفية؟ ولماذا يصيب مريض السكري تحديدًا؟
يبدأ د. محمد مجدي بدر حديثه موضحًا:
“التهاب الأعصاب الطرفية هو تلف في الأعصاب التي تنقل الإحساس من الأطراف –وخاصة القدمين– إلى المخ، وهو من أكثر المضاعفات شيوعًا لدى مرضى السكري. والسبب الرئيسي لهذا الالتهاب هو ارتفاع مستوى السكر في الدم لفترات طويلة، ما يؤدي إلى تدمير تدريجي للألياف العصبية الدقيقة، خاصة في المناطق البعيدة عن القلب مثل القدمين.”
ويضيف:
“الخطورة تكمن في أن هذا التلف لا يحدث بشكل مفاجئ، بل يتسلل ببطء، وغالبًا ما يكون صامتًا في البداية. كثير من المرضى لا يشعرون بأي أعراض إلا بعد أن تتدهور الحالة، وحينها تبدأ معاناة الجروح المزمنة التي لا تلتئم بسهولة.”
كيف يؤثر هذا الالتهاب على قدرة القدم على الإحساس بالجروح أو الألم؟
يقول د. بدر:
“في الحالات الطبيعية، عندما يخطئ الإنسان ويخطو على جسم حاد أو ساخن، ترسل الأعصاب الطرفية إشارات سريعة للمخ ليشعر بالألم ويتفادى الضرر. لكن في حالة التهاب الأعصاب الطرفية، تضعف هذه الإشارات أو تختفي، ما يجعل المريض لا يشعر بالجروح أو الخدوش أو حتى الحروق.”
ويتابع:
“بعض المرضى يحكون لنا قصصًا غريبة مثل ارتداء الحذاء بالمقلوب لساعات أو المشي على مسمار دون أن يشعروا بأي شيء. والنتيجة؟ جرح يتفاقم دون أن يلحظه أحد، وقد يتلوث ويتحول إلى قرحة عميقة أو غرغرينا.”
هل هناك أعراض مبكرة يمكن أن تنبه المريض لخطر التهاب الأعصاب الطرفية؟
“نعم، هناك علامات مبكرة، لكنها تختلف من مريض لآخر”، يوضح د. محمد.
“بعض المرضى يعانون من تنميل أو وخز أو إحساس بالحرقان في القدم، خاصة أثناء الليل. آخرون يشعرون بأن أرجلهم باردة أو بالعكس، شديدة السخونة رغم أن درجة حرارتها طبيعية. كما أن الإحساس بالألم قد يكون مبالغًا فيه أو ضعيفًا جدًا.”
ويشدد:
“الخطأ الشائع هو تجاهل هذه الأعراض باعتبارها أمرًا طبيعيًا أو غير مهم. لكن الواقع أن هذه العلامات، حتى لو بدت بسيطة، قد تكون نذيرًا لبداية التهاب الأعصاب، ويجب التعامل معها بجدية.”
ما علاقة التهاب الأعصاب بالجروح المزمنة في القدم السكري؟
يشرح د. بدر هذه العلاقة قائلاً:
“عندما يفقد المريض الإحساس في القدم، لا يشعر بالجروح الصغيرة التي قد تنتج عن الحذاء الضيق، أو السير حافيًا، أو حتى الحلاقة غير الدقيقة للأظافر. ومع غياب الإحساس، لا يهتم المريض بعلاج الجرح، ولا يلجأ للطبيب إلا بعد ظهور التورم أو الصديد أو تغير لون الجلد.”
ويتابع:
“لكن في هذه المرحلة، يكون الجرح قد أصبح مزمنًا، وغالبًا ما يعاني من ضعف الدورة الدموية، ما يعوق التئامه. وهكذا، تصبح العدوى أسهل، ويكون العلاج أطول وأصعب، وقد تنتهي الحالة بمضاعفات خطيرة.”
كيف يتم تشخيص التهاب الأعصاب الطرفية؟ وهل هناك اختبارات دقيقة لذلك؟
“نعم، لدينا وسائل متعددة لتشخيص التهاب الأعصاب الطرفية”، يوضح د. محمد.
“أولها هو الفحص السريري الدقيق باستخدام أدوات بسيطة مثل شوكة الرنانة (Tuning Fork) لاختبار الإحساس بالاهتزاز، أو خيوط المونوفيلامنت لفحص الإحساس بالضغط. كما نستخدم اختبار الإحساس بدرجات الحرارة أو الوخز.”
ويضيف:
“لكن في الحالات الأكثر تقدمًا أو الملتبسة، نلجأ إلى رسم الأعصاب (Nerve Conduction Study) وهو فحص كهربائي يقيس سرعة الإشارات العصبية. هذا الفحص يكشف لنا مدى تلف الأعصاب بدقة، ويساعدنا في تحديد درجة الخطورة.”
ما هي الخطوات العلاجية المتاحة للمريض المصاب بالتهاب الأعصاب الطرفية؟
“العلاج يقوم على محورين رئيسيين”، يرد د. بدر بحزم.
“أولًا: السيطرة على السكر بشكل صارم. لأن ارتفاع السكر هو العدو الأول للأعصاب، فلا يمكن أن ننجح في العلاج دون ضبط مستويات السكر في الدم.”
ويتابع:
“ثانيًا: العلاج الدوائي، وهناك أدوية مخصصة لتحسين وظيفة الأعصاب أو تقليل الأعراض مثل البريجابالين، الدولوكستين، أو أدوية أخرى مضادة للاكتئاب العصبي. بعض المكملات مثل فيتامين B12 أو حمض ألفا ليبويك قد تفيد أيضًا في دعم الأعصاب.”
ويؤكد:
“العلاج ليس سريع المفعول، ويتطلب صبرًا والتزامًا من المريض، لكنه ضروري لمنع تدهور الحالة أو تحولها إلى مصدر للجروح المزمنة.”
ما دور الأحذية الطبية والعناية بالقدم في الوقاية من الجروح لدى من يعاني من التهاب الأعصاب؟
يؤكد د. بدر قائلاً:
“الأحذية الطبية ليست رفاهية كما يظن البعض، بل هي خط دفاع رئيسي. فهي مصممة لتوزيع الضغط على القدم بشكل متوازن، وتجنب الاحتكاك أو الضغط على أماكن معينة. كما أن النعال اللينة والنعال الطبية تقلل من فرصة حدوث جروح.”
ويضيف:
“إلى جانب الحذاء، هناك أهمية قصوى للعناية اليومية بالقدم: غسلها بماء فاتر، تجفيفها جيدًا، تفقد الجلد يوميًا، استخدام كريم مرطب، وتجنب المشي حافي القدمين مهما كانت الظروف.”
هل هناك أمل في شفاء الأعصاب المصابة أم أن التلف دائم؟
“في المراحل المبكرة، نعم، يمكننا إيقاف التدهور وقد نرى تحسنًا كبيرًا”، يوضح د. بدر.
“لكن في الحالات المتقدمة، قد لا نستطيع استعادة الإحساس بالكامل. لذلك، الرسالة الأهم هي الاكتشاف المبكر والتدخل السريع. كلما بدأنا مبكرًا، زادت فرص الشفاء وتجنّب الجروح.”
ما رسالتك الأخيرة لمرضى السكري بخصوص التهاب الأعصاب الطرفية؟
يختتم د. محمد مجدي بدر حديثه قائلاً:
“لا تنتظروا الألم ليكون هو جرس الإنذار، فالأعصاب قد تتلف بصمت. راقبوا أقدامكم يوميًا، وراجعوا الطبيب فور أي تنميل أو إحساس غير طبيعي. القدم السكري لا تبدأ بجروح، بل تبدأ بأعصاب صامتة لا تنبهكم بالخطر.”
ويضيف:
“الوقاية تبدأ من الوعي، والمتابعة الدورية، والانتباه لكل تغير. بهذا يمكننا تجنب الجروح المزمنة، وإنقاذ الأقدام، بل وإنقاذ الأرواح.”